أ. طارق عبد اللطيف أبو عكرمة
#ملف_المرأة_والمجتمع
ليست قضية المرأة العربية مجرد مسألة حقوق أو مكاسب اجتماعية، بل هي قضية وجودية ترتبط بمصير الأمة العربية ومشروعها التحرري. فلم تكن المرأة في تاريخنا الحديث مجرد متفرجة على معارك التحرر والقومية، بل كانت شريكة في صنعها، مناضلة في خنادقها، وقائدة في مسارات بناء الدولة الوطنية.
في العراق، خلال سنوات الحكم الوطني، لم تكن المرأة مجرد رقم في معادلة التمثيل السياسي، بل كانت عنصراً فاعلاً في مشروع بناء الدولة. فمنذ قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي كان الأكثر تقدماً في المنطقة آنذاك، إلى مشاركتها الواسعة في العملية السياسية والاقتصادية، أثبتت المرأة العراقية أنها قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية و القومية . لكنها أيضاً دفعت ثمناً باهظاً تحت الحصار والاحتلال، حيث تحولت من شريكة في البناء إلى حاضنة للمقاومة وحافظة للتماسك الاجتماعي في ظل أصعب الظروف.
وفي فلسطين، تتحول المرأة من أم الشهيد إلى الشهيدة نفسها، ومن حاضنة للثورة إلى مقاتلة في صفوفها. فهي لا تنتظر تحرير الأرض لتمنحها الحقوق، بل تنتزع حقوقها عبر نضالها اليومي. في غزة، تحت القصف والإبادة، ليست المرأة ضحية فحسب، بل هي طبيبة، معلمة، ناشرة وعاية، وقائدة مجتمع تحاول الحفاظ على الحياة تحت أنقاض الموت. نضالها المزدوج: ضد الاحتلال من الخارج، وضد التقاليد البالية من الداخل، يجعل منها نموذجاً فريداً للمرأة التي ترفض أن تكون ضحية لظلمين.
أما في السودان، فكانت المرأة في طليعة الثورة التي أطاحت بالحكم الاسلاموي . خرجت بالملايين، تحمل علم الوطن وتطالب بالحرية والعدالة والسلام. لكنها اليوم، في خضم الحرب اللعينة ، تواجه اختباراً وجودياً. من كان بالأمس قائدة للثورة، أصبحت اليوم حامية للأسرة من الجوع والعنف، وناشطة في شبكات التضامن والإغاثة، تحاول أن تبني من رماد الحرب مجتمعاً جديداً قائماً على المساواة والعدالة.
وفي اليمن وليبيا، حيث تدور حروب بالوكالة وتتفكك الدول، تظهر المرأة كحافظة للنسيج الاجتماعي. في غياب الدولة، أصبحت المرأة اليمنية مسؤولة عن إعالة الأسرة، وتقديم الرعاية الصحية الأولية، وحتى الوساطة في النزاعات القبلية. في ليبيا، تخرج المرأة للمطالبة بوقف إطلاق النار، وتنشط في منظمات المجتمع المدني التي تحاول أن تملأ فراغ الدولة.
هذه النماذج لا تثبت فقط قدرة المرأة على الصمود، بل تطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا يُعترف بدور المرأة في أوقات الأزمات فقط، بينما يتم تهميشها في أوقات السلم وبناء الدولة؟
الجواب يكمن في أن النظم التقليدية لا تزال مسيطرةً على مفاصل الدولة والمجتمع في الوطن العربي. فهو يستخدم المرأة كأداة في معاركه، ثم يتجاهلها عندما يحين وقت تقسيم الغنائم. لكن الثورات والحروب كسرت هذه القاعدة. لقد أثبتت المرأة أنها ليست فقط قادرة على المشاركة في النضال، بل هي الأكثر جذرية في مطالبها بالتغيير.
اليوم، أمامنا خياران: إما أن نستمر في التعامل مع قضية المرأة كقضية هامشية، أو أن نعترف بأن تحرر المرأة هو شرط أساسي لتحرر الوطن. فالأمة التي تقهر نصف طاقاتها لا يمكن أن تكون أمة حرة. المشروع القومي الحقيقي هو الذي يجعل من قضية المرأة قضيته المركزية، الذي يدرك أن تحرر الوطن والأمة العربية وتحضر المرأة هما وجهان لعملة واحدة.
فإما أن نبنى مستقبلنا معاً، أو أن نهوى معاً في هاوية التخلف والاستبداد.

Leave a Reply