بين الذاتي والموضوعي

د. يوسف مكي
كاتب سعودي
#ملف_الهدف_الثقافي

خلال أسبوع واحد، أجريتُ عمليتين جراحيتين في مستشفى 6 أكتوبر التابع لكلية الطب بجامعة أكتوبر.

  • الأولى: هدفت إلى إزالة التضخم في البروستاتا بتقنية التبخير.

  • الثانية: لاستئصال حصوات في المثانة، نتيجة انسداد في المسالك البولية نجم عن انزلاقها بعد العملية الأولى.

في كلتا العمليتين، كان للدكتور شريف صلاح عزب، أستاذ ورئيس قسم المسالك البولية والعقم وأمراض الذكورة في كلية الطب بجامعة 6 أكتوبر بالقاهرة، دور بارز وأساسي في قيادة فريق المساعدين الذين أجروا العمليتين.

اختياري للدكتور عزب تم بناءً على توصية من صديق عزيز، عززها ما قرأته عن سيرته في وسائل التواصل الاجتماعي.
وعندما أتحدث عن سيرته، فأنا لا أتحدث فقط عن طبيب ماهر ومقتدر، بل عن جانب إنساني أعتبره الأبرز في شخصيته.
فهو لا يكتفي بتنفيذ العملية وزيارة المريض على سريره أثناء الإقامة في المستشفى، بل يتابع السؤال حتى بعد عودة المريض إلى المنزل، جامعًا بين مهارة الإتقان والبعد الإنساني.
يتواصل شخصيًا مع الأهل ويطمئنهم، ولا يتردد في مواصلة التواصل مع مرضاه أثناء عطلة نهاية الأسبوع للاطمئنان على أوضاعهم الصحية.
وله خالص الشكر والعرفان.

وبالتأكيد، كان لزوجتي الغالية باسمه الدور الأكبر والأساس في تخفيف معاناتي أثناء رحلة المرض: سهرًا، ورعاية، ودفئًا.
وكان لابني الأكبر وليد، وأخواته سلمى وسمر وجنين، دور يعتد به في الراحة النفسية التي حظيت بها أثناء هذه الرحلة.

في المنزل، عدتُ مجددًا لمتابعة الأحداث الجسيمة التي تشهدها ربوع العالم. ففي المنطقة العربية، تتواصل العربدة الإسرائيلية بحق أهلنا في فلسطين، في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث يقوم المستوطنون باقتحامات متكررة للمسجد الأقصى. ويوسع جيش الاحتلال نطاق احتلاله للأراضي السورية ليشمل الجولان بأكمله، بما في ذلك مدينة القنيطرة، التي دفع الجيش السوري آلاف الشهداء لتحريرها في معركة تشرين/أكتوبر 1973. وتُقدّر مصادر محايدة أن ما تم احتلاله من الأراضي السورية يتجاوز 600 كيلومتر مربع.

أما في لبنان، فقد جرى الإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار فجر الأربعاء الموافق 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، لمدة ستين يومًا، وبوساطة ورعاية أمريكية، وتأييد عربي واسع.

  • التزم اللبنانيون بالاتفاق.

  • واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي خرقه يوميًا وبشكل متعمد.

تسلّمت المؤسسات اللبنانية الثلاث: الرئاسية، الحكومية، والدستورية، مهام متابعة وقف إطلاق النار، والتفاهم مع المؤسسات الدولية المختصة، مثل:

  • قوات اليونيفيل

  • الأونروا

  • هيئة الأمم المتحدة

  • مجلس الأمن الدولي

لكن الاتفاقات التي يوقّع عليها الإسرائيليون لا تساوي، من وجهة نظرهم، قيمة الحبر الذي كُتب به النص، فهي في النهاية مجرد حبر على ورق.
والمجتمع الدولي يقف عاجزًا عن اتخاذ أي قرار يلجم الغطرسة الإسرائيلية، حيث لا تقدم الولايات المتحدة الأمريكية فقط الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، بل تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور أي قرار أممي يدين حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على المدنيين في غزة، الذين تُقدّر وزارة الصحة في القطاع عدد قتلاهم بأكثر من ستين ألفًا، وأربعة أضعافهم من الجرحى.

وهذا السلوك ذاته ينسحب على الدور الأمريكي في نُصرة إسرائيل في عربدتها على الأراضي اللبنانية، رغم كونها الراعي لضمان استمرارية وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي.

لقد التزمت الحكومة اللبنانية بقرار وقف إطلاق النار حتى الآن، دون خرق واحد له، رغم أن القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة تكفل لهم حق الدفاع عن أنفسهم بمختلف الوسائل، بما في ذلك الرد على إطلاق النار.
وهو حق مكفول للسوريين أيضًا، الذين تعرضوا لضربات قوية وفتاكة من الجيش الإسرائيلي.

يشتد الغضب العالمي، على المستويين الرسمي والشعبي، وقد شمل:

  • محكمة العدل الدولية

  • محكمة الجرائم الدولية

  • المدن الأمريكية: نيويورك، واشنطن، ديترويت، ولوس أنجلوس

  • ودول الاتحاد الأوروبي

لقد فقدت إسرائيل بريقها، ذلك البريق الذي روّج له الإعلام الغربي باعتبارها “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.
أما الآن، وعلى المستوى الشعبي، باتت دولة منبوذة تمارس حرب إبادة وتجويع بحق المدنيين، من نساء وأطفال ومسنين.

هناك مشاكل كبرى أخرى تواجه العالم، مثل:

  • الحرب الروسية على أوكرانيا، التي وُصفت بـ”العملية العسكرية الخاصة”، والتي تقترب من نهايتها بعد قرابة ثلاث سنوات.

  • الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.

  • الصراع في اليمن.

معالجة هذه القضايا، فرديًا أو مجتمعة، تحتاج إلى إرادة دولية، ويُعد أهمها إعادة تشكيل هيكلة النظام الدولي، الذي مضى على تأسيسه قرابة ثمانين عامًا.

أما بالنسبة للقضايا الخاصة بالعرب، فيجب أن يُستثمر الثقل الاقتصادي والسياسي للأمة في صيانة أمنها القومي والدفاع عن وجودها.
وما لم يُسهم العرب جميعًا، حكامًا ومحكومين، في حماية أمتهم من التردي، فعلينا انتظار المزيد من التشظيات والانهيارات.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.