المهندسة السودانية بين التفوق الأكاديمي والفشل المهني

صحيفة الهدف

 مقبولة عيسى

#ملف_المرأة_والمجتمع

على الرغم من تفوق المهندسة السودانية الأكاديمي وامتلاكها ذكاءً نظريًا لامعًا، فإنها تصطدم بجدران الواقع المهني الصارمة. وفي ظل الانهيار السياسي، وهشاشة السياق، وغياب الرؤية الواضحة، يصبح من واجبنا أن نحلل الأسباب الكامنة وراء هذه المفارقة، وأن نعمل على إيجاد حلول حقيقية.

إن تفوقها الأكاديمي يعود إلى جملة من العوامل، أبرزها الانضباط الدراسي الذي نشأت عليه في بيئات تشجع على الاجتهاد كوسيلة للنجاح والتمكين. كما أن طموحها الشخصي يدفعها للنظر إلى التعليم كأداة للتحرر، مما يجعلها تبذل جهدًا مضاعفًا لتحقيق التميز. ويُضاف إلى ذلك الدعم الأسري الذي تحظى به غالبًا في مراحل الدراسة، فضلاً عن المناهج التي تركز على الحفظ والتحليل النظري، وهو ما تتقنه الكثير من الطالبات.

وفي المقابل، تتعدد أسباب الفشل المهني لتشكل سدًا منيعًا أمام طموحاتها. يأتي في مقدمة ذلك غياب البيئة المهنية الداعمة، حيث إن الكثير من المؤسسات الهندسية لا توفر بيئة عمل عادلة أو محفزة للنساء، خاصة في المجالات الميدانية. هذا بالإضافة إلى النظرة الاجتماعية السائدة التي لا تزال تعتبر المرأة عنصرًا ثانويًا في العمل الهندسي، مما يحد من فرصها في القيادة أو التنفيذ. ويُفاقم هذه الأزمة ضعف الربط بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل، فالمناهج غالبًا لا تواكب التطورات التقنية واحتياجات السوق، كما أن غياب فرص التطبيق الميداني يجعل المهندسة قوية نظريًا، لكنها ضعيفة الثقة ومهيأة بشكل غير كافٍ للواقع العملي بعد التخرج. ولا يمكن إغفال الضغوط الاجتماعية المتعلقة بالزواج والأسرة وتوقعات المجتمع، التي قد تفرض على المهندسة خيارات مهنية محدودة أو مؤقتة.

تحويل الأزمة إلى ثورة معرفية ومهنية

ولاختراق جدران هذا الواقع، لا بد من برنامج شامل يرتكز على عدة محاور، تبدأ بإصلاح المناهج والتدريب العملي، وذلك عبر سد الفجوة بين الجانب النظري واحتياجات سوق العمل. يمكن تحقيق ذلك من خلال تصميم برامج تدريبية متخصصة تجمع بين الجانب النظري والمهارات العملية المطلوبة في السوق، مثل إدارة المشاريع الهندسية واستخدام البرامج الحديثة. كما يجب إقامة شراكات مع شركات محلية ودولية لتوفير فرص تدريب ميداني تمنح المهندسات الثقة المهنية اللازمة.

ويُعد المحور الثاني في هذا البرنامج هو تعزيز ريادة الأعمال الهندسية، عبر تشجيع المهندسات على تأسيس مشاريعهن الخاصة بدلًا من الاقتصار على البحث عن وظيفة تقليدية. يتضمن ذلك إنشاء حاضنات أعمال مخصصة لهن، تركز على مجالات مثل التصميم، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، مع توفير الإرشاد والتوجيه اللازمين لمساعدتهن في تحويل أفكارهن إلى مشاريع قابلة للتطبيق.

أما المحور الثالث، فهو بناء شبكات الدعم والتمكين الاجتماعي، بهدف خلق بيئة داعمة تتيح للمهندسات تجاوز التحديات الاجتماعية والمهنية. ويتم ذلك بتأسيس شبكات مهنية لتبادل الخبرات، وربط المهندسات الشابات برائدات أكثر خبرة، بالإضافة إلى إطلاق حملات إعلامية ومجتمعية واسعة لتغيير النظرة النمطية لدور المرأة في القطاعات التقنية، فتمكين المهندسة السودانية ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة لمستقبل البلاد.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.