المطلقة بين الاستقرار والفراغ.. قراءة اجتماعية إنسانية

صحيفة الهدف

سلافة الحاج

#ملف_المرأة_والمجتمع

لم يعد الطلاق وشايةَ حديثٍ هامسٍ في أروقة البيوت العربية، بل تحوّل إلى صرخةٍ صامتةٍ تعصف بكيان المجتمعات. تتحدث الأرقام بمرارةٍ عن واقعٍ لا يمكن تجاهله؛ ففي السودان وحده، سجّلت السلطات القضائية نحو 271 ألف حالة طلاق في غضون أربع سنوات (2016-2020)، وقفز العدد إلى ما يقارب 70 ألف حالة في عامٍ واحد (2021)، حيث تربّعت الخرطوم على عرش المأساة بأكثر من 93 ألف واقعة.

وعلى امتداد العالم العربي، تتفاوت الأرقام، لكنها جميعًا تشير إلى جرحٍ غائرٍ في نسيج الأسرة. ففي مصر، ينتهي حوالي 40% من الزيجات بالطلاق، وفي الكويت يبلغ الرقم 48%، بينما تسجل الأردن وقطر والإمارات ولبنان معدلاتٍ متفاوتةٍ، لترسم خريطةً من التصدّع الأسريّ تُنذرُ بالخطر.

أسبابٌ ونتائج: في تشريحِ الانفصال

تتغذى ظاهرة الطلاق على تيارٍ من الأسباب المتشابكة، من الضغوط الاقتصادية التي تُحيلُ البيوت إلى ساحاتٍ للصراع، إلى التفاوت في الوعي العاطفي الذي يُفقدُ العلاقةَ جوهرها، وصولًا إلى ضعف منظومة التوافق الأسريّ. إنها عواملٌ تُحدثُ شرخًا لا يقتصر أثره على الزوجين، بل يتهشّمُ معه بناءُ الأسرة بأكمله، ليجد الأبناء أنفسهم في فضاءٍ من الفراغ النفسيّ، غرباءَ في البيت الذي كان يُفترض أن يكونَ ملاذهم الآمن.

بين الأبوة والوصم: حملُ مزدوجٌ

إنّ دورَ المطلقة، خصوصًا “أم العيال”، يتجاوز حدودَ المعاناة الشخصية. فهي تُجسّدُ ثنائيةً قاسيةً: أمًّا مباركةً وصانعةً للحياة، تحمّلُ على عاتقها مسؤوليةَ التربيةِ ورعايةِ من تبقى من الأسرة، وفي الوقت ذاته، تُقايضُها بعضُ المجتمعات بوصمةٍ لا ذنبَ لها فيها. تُنظرُ إليها بريبةٍ أو شفقةٍ، في حكمٍ جائرٍ يُقلل من شأنها، متجاهلًا القوةَ الداخليةَ التي استمدتها من هذه التجربة القاسية.

رحلةٌ نحو الذات: البحث عن استقرارٍ حقيقيّ

بعد الطلاق، تبدأُ رحلةٌ معقّدةٌ نحو استعادة الذات. فالمطلقة قد تجد نفسها في ساحةٍ من الخيارات المحيّرة، حيث يرى البعض سعيها للزواج مرةً أخرى كمحاولةٍ يائسةٍ للهروب من الفراغ، بينما هو في حقيقته بحثٌ عن استقرارٍ عاطفيٍّ حقيقيّ. وفي هذه الرحلة، يظهرُ التحدي الأكبر: كيف يمكن للرجل الجديد أن يكونَ سندًا للأبناء، لا مصدرًا إضافيًا لصراعٍ نفسيٍّ يُضاف إلى ماضيهم؟ إنها معادلةٌ مرهونةٌ بوعي العلاقة وطبيعتها الإنسانية.

استخلاصات إنسانية

إنّ المطلقة ليست حالة ضعفٍ، بل إنسانةٌ خاضت اختبارًا قاسيًا وخرجت منهُ بقلبٍ مثقلٍ، لكنه قادرٌ على الصمود. يكمنُ مفتاحُ نجاحها في لحظةِ إدراكٍ جوهريةٍ: أن تعبئةَ فراغِ قلبها لا يكونُ بالبحثِ عن الآخر، بل بالتماسك الداخليّ والوعي الذاتيّ. فعندما تحدّدُ المطلقةُ حدودها وتُعيدُ بناءَ ذاتها، تتحرّرُ من دائرة الألم، وتتجاوزُ مرحلة الفراغ لتصلَ إلى استقرارٍ نفسيٍّ حقيقيٍّ ينبعُ من ذاتها، لا من علاقةٍ أو مجتمع.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.