“الحبيبة هي الوطن: حين تتجسد الحرية والعدالة في امرأة”

حنظلة السعيد

#ملف_المرأة_والمجتمع

منذ الأزل ارتبط الحب بالمعنى الأكبر للانتماء، فهو ليس مجرد علاقة عاطفية بين رجل وامرأة، بل هو انعكاس لصلة أعمق بالوطن وقيمه الكبرى. حين يقول الشاعر إن الحب ليس علاقة بين رجل وامرأة، بل بين رجل مشتت ووطن ضائع منه، فإنما يفتح لنا أفقاً جديداً للفهم: الحبيبة ليست فرداً فحسب، بل هي الوطن بكل ما يحمله من رموز ومعانٍ.

الحبيبة هي الوطن، لأنها تمثل الملاذ الآمن الذي يجد فيه الرجل راحته بعد شتات، وهي الأرض التي يضع عليها قلبه ليستعيد توازنه. العلاقة مع المرأة – إن ارتقت إلى مستوى الوعي العاطفي والفكري – تصبح علاقة مع الحرية، مع العدالة، مع الكرامة، ومع قيم إنسانية سامية تتجاوز حدود الجسد لتلامس حدود المعنى. المرأة هنا ليست مجرد “محبوبة” وإنما رمز لأفق منشود، هي الراية المرفرفة في السماء التي تمنح الرجل سبباً للصمود، وملاذاً لمقاومة القهر.

في مجتمعٍ مأزومٍ بالصراعات والتناقضات، قد يغيب الوعي بقيمة المرأة كـ”وطن”. يختزلها البعض في أدوار اجتماعية تقليدية أو يضيقون عليها بأسوار الثقافة الذكورية، لكن الحقيقة أعمق: المرأة هي الذاكرة الجمعية، هي حضن الأمان، وهي القادرة على صناعة قيم التقدم والدفاع عن المظلومين. كلما أدركنا هذا المعنى، كلما استطعنا أن نعيد تعريف الحب ليصبح مشروعاً إنسانياً لتحرير الفرد والجماعة على السواء.

أن تحب امرأة بصدق يعني أن تلتزم بمبادئ الوطن ذاته: أن تسعى للحرية لا للاستعباد، أن تطالب بالعدالة لا بالظلم، أن تفتح أبواب الأمل لا أن تستسلم لليأس. فالعلاقة بين رجل وامرأة لا تنتهي عند حدود الغرام الشخصي، بل هي امتحان حقيقي لقيم المجتمع. من ينتصر للمرأة كـ”وطن” ينتصر أيضاً للإنسانية كلها.

وهنا، يصبح الحب رسالة لا صفقة، التزاماً لا نزوة، وتعبيراً عن أن الإنسان لا يكتمل إلا بوطن يحتضنه، وبامرأة تعرف أن قيمتها لا تقاس بالزينة وإنما بقدرتها على أن تكون رمزاً للحرية والكرامة.

إن الحبيبة هي الوطن حين تدرك أنها ليست ظلاً للرجل بل أرضاً يقف عليها، وليست تابعاً وإنما شريكاً في بناء العدالة والحرية. وعندها فقط يصبح الحب تجربة وجودية تسمو بالإنسان إلى مرتبة الانتماء، ويغدو الحبيب مواطناً في حضرة امرأة/وطن، يرفع معها راية التقدم ونصرة المظلومين.