قصة حب

صحيفة الهدف

د. أشرف مبارك أحمد صالح

#ملف_الهدف_الثقافي

كل همي أن أكتب قصة حب … لابد أن أكتبها اليوم أصنع فيها أجنحة وأطير بعيدًا .. بعيدًا …. آه لو أطير .. سألتني جيهان غير مرة:

– لماذا لا تكتب قصة حب؟

– لقد كتبت.

– لا ليست قصة مثل، التي تكتبها بل قصة حب لذيذ

– في قصصي …

– ليس في قصصك حب

أخرجت كرسيًا ومنضدة في فناء الدار. كل همي أن أكتب قصة. لم يكن بالدار من أحد سواي. لقد خرجت أمي وأختي وأطفالها في زيارة عائلية …. أمي مازالت تصل الأرحام … لقد سقط مطر خفيف لطّفَ الجو قليلًا بعد نهار حار … تذكرت لقد أوصتني أختي قبل أن تخرج أن أبحث عن بعض الكتب المدرسية لأبنائها .. غدًا إن شاء الله … لا أظن أن باعة الكتب القديمة يظلون حتى هذا الوقت. منذ أن مات زوجها في هذه الحرب اللعينة ازدادت عليها الأعباء .. مسكينة أختي .. سأكتب القصة … سأصنع الأجنحة … أجلس الآن على الكرسي أخرجت من حقيبتي أوراقًا وقلمًا. وضعت كل هذه الأشياء على المنضدة. لابد أن أكتبها اليوم. الفكرة تدور في رأسي. من حسن حظي أن رأسي أصلع. من أين أبدأ؟ أبدأ بصنع فنجان من القهوة .. سأصنعها وحدي. هذه الزيارات اللعينة … أين البن؟ أصبحت أكره الزيارات العائلية هذا هو البن … أين السكر؟ لا يفترون يسألونني عن الزواج .. لقد كبرت تزوج يا بني … فكر في الهجرة … تزوج … إن شاء الله . إن شاء الله … لم يرد الله بعد … النية أولًا وكل شيء سيتيسر … هذا هو السكر … أريد أن أطير ، أحلق في السماء وليس لي أجنحة … رائحة القهوة تعبق في المطبخ ، رائحة تدل على أن البن مخلوط بشيء من البهار ..آه لو تكون لي أجنحة ! الآن أصبح فنجان القهوة جاهزًا سأمضي لأكتب .. كيف تكون البداية؟ صدفة؟ سخف …

– لا أعرف لماذا لا تكون القضية المحورية هي الحب؟

– لأن الحب ببساطة واحد من المشاعر، التي تلتف حول أي قضية أو تلتف أية قضية حولها.

– وتنتهي بالفراق الفراق في قصصك مفروض فرضًا

هل صحيح أن لقاءنا كان صدفة؟ لكنني لا أعرف الصدفة كنت أصعد الدرج نحو مكتبي وكانت تنزل قفزًا كان السلم ضيقًا فحاولت أن تفسح لي وحاولت أن أفسح لها فوجدنا نفسينا نسد الطريق على كلينا ، فضحكتْ لأننيَّ كنت أنظر إليها في بلاهة … قالت لي ذلك فيما بعد … اعتذرت بلطف ووجدت نفسي أعتذر أيضًا. اختلست نظرة إليها وهي مدبرة .. خجلت من نفسي تمنيت ساعتئذ أن أطير.

أين وضعت سجائري؟ في جيبي: أشعلت سيجارة. ناقشتها مرة في دلالة الصدفة فقالت ليس هناك أية صدفة بل هو العجز عن فهم الزمان وظروفه.

“كانت تنزل على عتبات الدرج الضيق قفزًا ، أظنها كانت مبتسمة وكانت تتدفق حيوية … اتجهت يمينًا لتفسح لي لكننيَّ اتجهت تجاهها، فاتجهت يسارًا وكنت أيضًا قد اتجهت تجاهها كان ذلك بلا قصد منيَّ أو منها وقفت واحمر وجهها واصفر وتحفزت مثل قطة شرسة تريد أن تنشب أظافرها في وجه معتد سدَّ عليها المنافذ – آسف – حدث خير تخيلت لو ناديتها حينئذ یا آنسة – أتعنيني ؟ – نعم – لماذا يحدث لقاء المحبين صدفة ؟ أظنها كانت ستفزع وتختفي ابتسامتها – أمجنون انت ؟ وأظنني كنت سأسد عليها المنافذ حتى لا تهرب – لا تفزعي وتخيلي أننا نعرف

بعضًا منذ أن ولدنا … معقول؟ – غير معقول – تقابلنا – لا أظن – أعذريني يخلق من الشبه أربعين.

هكذا لا ينساب كل شيء مثل انسياب طائر يطير في الهواء .. لا تَخفُّ الأوزان ولكن تتبخر الأحلام .. يزداد اكتئابي : ألا تتمدد يداي وتصيران جناحين .. ويخف ما بعقلي ويصير قلبي كيس هواء وأطير؟

اختلست نظرة إلى وجهها ثم اكتفيت بحاسة الشم فقد كان يضوع جمالًا وابتسامتها تصرخ حلاوة فاكتفيت بالسمع..”

مر الوقت … الظلام أسبغ لونه على الأشياء .. الزمن القائم يلون الوجوه بلونه والأشجار لا تعود خضراء .. والحب كما أعرفه مشاعر تسقط في بحيرة بلا زورق حتى إذا بلغت وسطها صرخت أغرق .. أغرق ولا مجيب .. قمت وأنرت اللمبات، التي على الحائط ولم ألحظ أن ثمة بوادر عاصفة ترابية في السماء .

كان لابد من أن أكتب قصة حب حالمة قبل أن تعود أمي وأختي وأطفالها …

أحس أن يدي تتمددان .. تصيران أجنحة عقلي يخف وزنه …. قلبي يصير كيسًا مملؤًا بالهواء… أفكر كيف تكون البداية … هبت الرياح بعنف … وفي نفس اللحظة كان الباب قد فتح ودخلت أمي وأختي وأطفالها يصرخون من عنف الرياح … وطارت أوراقي في الهواء.

الأبيض – سبتمبر 1997م

#مجموعة_رجال_مجنحون

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.