
كما علمنا، أن الباطل لا يثبت لظهور الحق – كما قيل – للحق جولة وللباطل صولة، فإذا جاء الحق بجولته ذهب الباطل بصولته.
في هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، وقد خالفت بينهم المبادئ ففصلت بينهم السيوف. فلا عجب إذا رأيت الابن المؤمن يغاضب أباه الملحد، ويخاصمه في ذات الله. والقتال الذي دار ببدر سجل صوراً من هذا النوع الحاد.
كان أبو بكر مع رسول الله، وكان ابنه عبد الرحمن يقاتله مع أبو جهل. وكان عتبة بن ربيعة أول من بارز المسلمين، وكان ولده أبو حذيفة من خيار أصحاب النبي.
يقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق، في سبيل البعث، عن النشء الذي يتأهب اليوم لدخول معركة العصر:
الآن تبدأ صفحة جديدة، صفحة الذين يجابهون المعضلات العامة ببرودة العقل ولهيب الإيمان، ويجاهرون بأفكارهم ولو وقف ضدهم أهل الأرض جميعاً، ويسيرون في الحياة عراة النفوس، هؤلاء هم الذين يفتتحون عهد البطولة…
ويقول أيضاً:
حياة هؤلاء ستكون خطاً واضحاً مستقيماً، لا فرق بين باطنها وظاهرها، ولا تناقض بين يومها وأمسها، فلا يقال عن أحدهم: نعم إنه سارق ولكنه يخدم وطنه، ولا يقودون في الصباح مظاهرة ويأكلون في المساء على مائدة الظالمين.
الصلابة في الرأي صفة من أجَلّ صفاتهم، فلا يقبلون في عقيدتهم هوادة، ولا يعرفون المسايرة. فإذا رأوا الحق في جهة، عادوا من أجله كل الجهات الأخرى، وبدلاً من أن يسعوا لإرضاء كل الناس، أغضبوا كل من يعتقدون بخطئه وفساده.
إنهم قساة على أنفسهم، قساة على غيرهم. إذا اكتشفوا في فكرهم خطأ، رجعوا عنه غير هيّابين ولا خجلين، لأن غايتهم الحقيقة لا أنفسهم. وإذا تبينوا الحق في مكان، أنكر من أجله الابن أباه، وهجر الصديق صديقه.
فالظاهر، هو المعقول والمنقول من العلوم والأحداث النافعة التي بها الأعمال الصالحة، والباطن هو المعارف الإلهية. ونحن لا نأتي قط بغير الفهم الجديد العصري والمتطور من الأثر الذي لم يكن يُعرف لأحد. ولذلك يستغربه كل الاستغراب من لا إيمان له بالصالح العام يخدم الشعب والأمة.
كانت واقعة بدر في السابع عشر من رمضان لسنتين من الهجرة، وقد أقام رسول الله ببدر ثلاثاً بعد الانتصار على كفار مكة، ثم قفل راجعاً إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى والغنائم، ورأى قبل دخولها أن يُعجل البشرى إلى المسلمين المقيمين فيها لا يدرون بما حدث شيئاً…
يقول القائد المؤسس:
فقوتنا ليست قوة العدد الأكبر من مجموع العرب في هذا الوقت فحسب، وإنما هي قوة التاريخ العربي أيضاً، لأننا نسير في اتجاه الروح العربية الأصيلة، وأننا نسير وفق ما يتمنى أجدادنا الأبطال أن تسير الأمة العربية في كل وقت وزمن.
وقد أخذ الله المسلمين – قبل معركة بدر وبعدها – بأمور بدت منهم، يحب لهم أن يتنزهوا عنها، مهما بلغ من شدة الدوافع والمبررات لارتكابها. فهم يوم خرجوا من يثرب لملاقاة مشركي مكة، تعلقت أمانيهم بإحراز العير وما تحمل من ذخائر ونفائس.
حقاً إنهم أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، وضحّوا في سبيل الله بأنفسهم وأولادهم، فليمضوا في طريق الفداء إلى المرحلة الأخيرة، ومهما عضهم الفقر بنابه، فليكن التنكيل بالكافرين أرجح في ميزانهم من الاستيلاء على الغنيمة:
“وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين” [الأنفال: 7].
يقول القائد المؤسس:
في هذا العهد الجديد الذي بدأت تباشير صبحه تختلج في الأفق، نريد أن تكون النهضة والاستيقاظ في كل عواطفنا الشريفة ومواهبنا العالية، لا أن تنحصر اليقظة في عاطفة واحدة ضيقة.
لم يعد يرضينا أن نسمع ذلك الشخص وطنياً إذا لم يكن في الوقت نفسه إنسانياً، عفيف النفس، كريم الخلق.
فالعاطفة الوطنية إذا لم تكن مصحوبة بهذه الصفات قد لا تكون غير مجرد كره للأجنبي، وهذه ليست غايتنا.
لسنا نطلب الاستقلال لننعزل عن بقية الشعوب، ونقيم سداً بيننا وبين الحضارة الإنسانية، لسنا نصبو إلى الحرية لنعيش في الفوضى، أو نرجع إلى ظلام القرون الوسطى.
إننا نطلب الاستقلال والحرية لأنهما حق وعدل قبل كل شيء، ولأنهما وسيلة لإطلاق مواهبنا العالية وقوانا المبدعة، كيما نحقق على هذه البقعة من الأرض التي هي بلادنا غايتنا وغاية كل إنسان: الإنسانية الكاملة.
فمعقولية النسب لا تتبدل، وأن الحقائق لا تنقلب.
تسترت عن دهري بظل جنابه
فصرت أرى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي، ما درت
وأين مكاني، ما عرفت مكاني…
Leave a Reply