سميحة أيوب.. ذاكرة المسرح العربي

بقلم: مجدي علي
في آخر أعمالها قدمت الفنانة سميحة أيوب فيلماً بعنوان “تيتة رهيبة” مع محمد هنيدي، وعلى الرغم من أن الفيلم يصنف في خانة الأفلام الكوميدية لكن سميحة أيوب كانت كمن يتلو رسالة الوداع، حرصت خلاله على تقديم وصاياها للجيل الجديد في معالجة فنية درامية راقية ابتعدت كثيراً عن الهزل والسطحية.. كان دورها محاضرة درامية مفصلة بأصول المعاملة الأسرية واحترام العادات والتقاليد ومبادئ الالتزام الأخلاقي في العلاقات العاطفية والإنسانية.
قد يكون عدم نجاحها الكامل في السينما كنجمة صف أول لعدة سنوات هو سر اتجاهها للمسرح.. وفي المسرح وجدت نفسها، كيف لا وهي درست التمثيل وتخرجت في معهد أستاذها زكي طليمات في العام 1953م، وهي صاحبة الشخصية المهيبة الوقورة، المجيدة للغة العربية ومخارج الألفاظ
والدقة في الأداء، المثقفة الحافظة للشعر وعظيم الروايات المترجمة..
رصيد فني باذخ، بلغ أكثر من 170 مسرحية، وعشرات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية، تنوعت أدوارها بين السيدة الشعبية، والفتاة الغانية، والجدة الظريفة والسيدة المتجبرة والمرأة الغنية والفقيرة، وغيرها من الشخصيات التي أدتها ببراعة فائقة.. كان أشهرها على خشبة المسرح “سكة السلامة”، “أنطونيو وكليوباترا” و”دماء على ستار الكعبة”. وعلى شاشة التلفزيون مسلسلات “الضحية” و”الساقية” و”الضوء الشارد” و “أولاد الشوارع” و”سقوط الخلافة” و”المحروسة”، وأعمال أخرى رفعت أسهمها وأدت إلى شهرتها، ومنحتها لقب سيدة المسرح العربي عن جدارة واستحقاق.
78 عاماً قضتها بين السينما والمسرح والتلفزيون، مروراً بالإذاعة، تنوعت خلالها إسهامات سميحة أيوب الإبداعية، التي اتسمت بالجدية واهتمت بالقضايا الاجتماعية والإنسانية. لم تكتف سميحة بالتمثيل، ثقتها في نفسها وقُدرتها الفائقة على القيادة أهلتها لمناصب مهمة في المجال المسرحي، فتقلدت منصب مديرة المسرح القومي ومديرة المسرح الحديث، وقد كان لقيادتها أثر واضح في النهوض بالمسرح وتطويره. عندما قدمت سميحة أيوب مسرحية “الذباب” لجان بول سارتر على المسرح القومي في القاهرة، صعد المفكر الفرنسي إلى المسرح ومعه سيمون دي بفوار، وقبلها وقال لها” أخيراً وجدت إليكترا في القاهرة”..
برحيل سميحة أيوب فقد رحلت فنانة مصرية مجيدة، تاريخ حافل بالعطاء، لم يكن محل تقدير محلي فقط، بل حمل طابعًا عربيًا ودوليًا، لقد رحلت شخصية مؤثرة، جعلت من المسرح وطناً للروح، ومن الأداء رثاءً وخلوداً.

*الصورة من أعمال الفنان التشكيلي بابكر صديق

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.