
القدس العربي: عدنان بشير معيتيق*
#ملف_الهدف_الثقافي
يتنقل بنا الفنان السوداني الطيب الحضيرى عبر محطات بصرية مفعمة بالجمال، ذات مفاهيم تجمع بين الاحتفاء الجمالي بالأشياء في ذاتها، وسرد قصصها التاريخية في أعماله الفنية.. قرى متجاورة لغابات نضرة مفعمة بالحياة، أسواق ملونة وأراضٍ ممتدة في فسحة الوقت، غابات مكتظة بأشجارها المثمرة في عناقٍ أبدي، أسطح البيوت العتيقة الجيرية على ضفاف الروح من الزمن الأول للحضارات المتعاقبة على أرض السودان، قدر العشاء على نار هادئة، حديث شيوخ القرية في رُكنٍ عتيق، حياة الريف بكل بهجتها ومكابدتها، جموع في أرض الله الواسعة في مساحة اللون الأصفر الوهاج، كأنه النزوح الأبدي للبشرية، وحياة ماضية متداخلة مع صور من الذاكرة تعتريها ضبابية النسيان، بشر يقفون في الحد الفاصل بين الصحراء والغابة، نخيل، حقول، بيوت متعانقة، سحب ملونة، طيور، أفكار مجردة، أزياء النساء المبهجة في كل مواسمها، وجوه عابرة، عادات أصيلة، مشهديات النيل ونسمات الصيف عند حلول المساء، مساحات تعتريها شهقة الشعر ورهافة التلوين المائي، بقع ملونة كأنها ومضات ضوء شفيف، بل هي نبضات رسمت بدم القلب لفنان يعرف جيداً كيف يقدم عمله.
من خلال مرتكزات فلسفية أكاديمية في دراسة متأنية لعلاقة حياة الصحراء والغابة، وما أنجز من مدارس لفن الرسم في دولة السودان، منذ أن تأسست بمفهوم الدولة الحديثة، فتنوعت الأساليب من مدرسة الخرطوم وما بعدها من مدرسة البعد الواحد، وأساليب أخرى تشكلت من تحصيل معرفي للدارسين في الغرب، من فنانين رواد مع امتزاج متقن لثقافة محلية رصينة وعميقة، تعاملت بكل حرفية مع أبجديات الألوان الصريحة والمفردات الجمالية الأصيلة للحضارة الأفريقية العربية، التي كانت من أهم ما يميز هذه المنطقة وانعكست في إنتاج أغلب التجارب السودانية الحديثة، كما هو الحال عند الفنان السوداني الطيب الحضري، الذي كان إنتاجه الفني خلاصة معرفية واضحة المعالم ذات حضور كبير في المشهد التشكيلي السوداني.
يتخذ من مشاهد طبيعية في أوقات أخرى غير المحاكاة الأولى المباشرة، التي تعتريها شاعرية العيش، والحب للحياة، في لوحاته المائية التي توثق حياة السودانيين وأحوالهم بلغة تشكيلية، تجريديات تقترب من عوالم الفرنسي “نيكولا دي ستايل”، التي رسم فيها الطبيعي في أجمل تجليات الروح المبدعة، فكانت زوايا النظر من الداخل، الاعتماد على الرؤية وليست على النظر، فكانت رسماً للمشاعر وأحوال الروح وقت التأمل لهذه المناظر ووصفاً للداخل البشري، أكثر منه تمثيلاً للطبيعي في ذاته، فرسم السهول والحقول والصحارى والمناظر المحلية، بتقسيمات لونية متباينة منسجمة، بكتل لونية كبيرة في مساحة أعماله، وأضفى صيغاً وحلولاً محلية من البيئة الأفريقية، كأكواخ القش والبيوت الطينية كمربعات بنية اللون ومساحات صفراء، كأنها صحارى ورمال مع مفردات أخرى متناهية في الصغر في مساحات مترامية الأطراف، في صورة مختزلة لحياة الصحراوي، وأخرى ذات تقسيمات صغيرة يتخللها نخيل وجداول زرقاء لحياة المزارع في حقله.
الفنان يسعى دائماً إلى حالة من التوافق بين ما هو موجود في الطبيعة من حوله، وما يعتمل في داخله، فتجده يلجأ إلى التعبيرية التجريدية بإتقان موفق جداً، يقترح علينا نصوصاً جمالية تحيلنا إلى قصص، ويترك لنا المجال في المشاركة في كتابتها، فهي مشرعة الأبواب على خيال الحكي، لحياة بكر خالية من منغصات الحداثة للحياة المعاصرة ومساحات للتنفس في فضاءات الحرية..
الطيب عمر أحمد الحضيرى من مواليد الهلالية ـ ولاية الجزيرة..
المؤهلات العلمية: “2008م” دكتوراة تكنولوجيا تعليم بعنوان: تصميم وتقويم برنامج لتنمية المهارات التشكيلية للطلاب “دراسة حالة لطلاب قسم التلوين” – كلية الفنون الجميلة والتطبيقية ـ جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا..
ماجستير تكنولوجيا التعليم ـ كلية التربية في جامعة الجزيرة “1998م”. بكالوريوس كلية الفنون الجميلة والتطبيقية ـ قسم التلوين “التصوير” جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا “1988م”..
محاضر في كلية التربية قسم تقنيات التعليم ـ جامعة الجزيرة “1998م – 2003م”..
محاضر تقنيات تعليم كلية التربية ـ جامعة الملك عبد العزيز ـ جدة “2003 – 2010م”..
أستاذ مساعد تقنيات تعليم كلية التربية – جامعة الملك عبد العزيز “2010 – 2013م”..
أستاذ مساعد رئيس قسم التلوين في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية – جامعة السودان للعلوم ولتكنولوجيا “2016م”..
أقام العديد من المعارض منها: مدينة الهلالية “1986م”، المركز الفرنسي السودان “1999م”، اتيليه جدة للفنون الجميلة ـ المملكة العربية السعودية “2005م”، الحوش القطري ـ الدوحة “2010م”، مركز راشد دياب للفنون “2011م”، مركز شبرين للفنون “2015م”، اتيليه القاهرة – مصر “2020م”، والعديد من المشاركات في معارض وملتقيات فنية جماعية في داخل السودان وخارجها.
……….
* عدنان بشير معيتيق.. فنان تشكيلي من ليبيا..