تعكس عناوين الحرب المشار إليها، محاور وطبيعة الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي قد لا تبدو واضحة فى أذهان العامة نظرًا لطبيعة تعاطيهم مع الحرب من زاوية التشجيع والانحياز من زوايا نظر محدودة مرتبطة بمستويات الوعي.
سنحاول في هذا المقال الوقوف على عناوين ثلاثة للحرب تمثل طبيعة الصراع وتعقيداته المتصلة بالأزمة الوطنية الشاملة وقضية التحول المدني الديمقراطي.
العنوان السياسي:
من المسلم به أن أي حرب تقف خلفها أهداف سياسية لدى طرفيها، وفي حرب السودان تتداخل محاور العنوان السياسي للحرب والتي تتمثل في الآتي:
-الصراع حول السلطة والثروة لدى طرفي الحرب، وهذا برز بوضوح عندما فشل انقلاب 25 أكتوبر الذي بدأ باكذوبة تصحيح المسار إلى أن فضحها الدعم السريع باعترافه بالانقلاب وخطته.
-منذ محاولات وعملية فض الاعتصام بدأ ظاهرًا أن عملية التحول المدني الديمقراطي تمر بمخاض عسير وتحديات كبيرة؛ إلا ان التقدير في التعامل معها لم يكن في مستوى التحدي والاستجابة من قبل قوى الثورة.
-تدخلات القوى الإقليمية والدولية في الصراع السياسي في السودان والتي شملت القوى المدنية والعسكرية معا.
-تفكك مؤسسات الدولة وهيمنة النزعة العسكرية.
-تمدد الثورة المضادة وقدرتها على عرقلة وتهديد الانتقال حد الضلوع في فض الاعتصام والانقلاب وإشعال الحرب، كل ذلك بهدف العودة الخفية للسلطة من خلال استخدام القوات المسلحة.
-وضوح الخطاب السياسي للحرب باستهداف القوى المدنية بالتخوين وتحميلها زورًا وبهتانًا مسؤلية الحرب؛ يؤكد هدف الحرب في اغتيال عملية التحول المدني الديمقراطي والرجوع بالبلاد إلى عهود التسلط والديكتاتورية.
العنوان الاقتصادي:
ان الوضع المعوج للاقتصاد السوداني الذي برز بعد ثورة ديسمبر في سيطرة القوى العسكرية والأمنية على ما نسبته 82% من اقتصاد البلاد
جعل هذه القوى (جيش، دعم سريع، أجهزة أمنية) متحالفة مع رأس المال الطفيلي الإسلامي لأجل فرملة الفترة الانتقالية واستهداف خطة تفكيك النظام التي تمثل مفتاح أهداف الثورة.
-أدت الحرب وما قبلها سياسات الانقلاب؛ إلى انهيار الاقتصاد السوداني الذى بدأ يتمثل نوعًا من العافية في فترة الحكومة الانتقالية.
-أثرت الحرب على سبل العيش والكسب والزراعة والصناعة وكافة القطاعات الإنتاجية، ووضعت الملايين على حافة الفقر والجوع.
-بروز مافيا أثرياء الحرب ورجوع شركات النظام السابق لممارسة نهب الموارد.
•تفشي ظاهرة الفساد بصورة أكثر بشاعة إلى حد التراشق بها من قبل أطراف سلطة بورتسودان.
-انهيار وتوقف كافة القطاعات الإنتاجية عن العمل.
•تدمير البنيات التحتية للاقتصاد وانعدام الموارد.
•خضوع البلاد لمنظومة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية.
العنوان العسكري:
-توسع وتعدد الجبهات وتوسع رقعة القتال.
-تمدد المليشيات وانتشار السلاح خارج إطار الدولة واتخاذها أبعادًا قبلية وجهوية.
-الحرب في المدن أدت لتدمير البنى التحتية.
-استهداف الحرب للمدنيين على أساس اجتماعي مع تعاظم خطاب الكراهية والعنصرية أدى لاستقطاب حاد وتعريض نسيج البلاد ووحدتها للخطر.
هل هناك حل عسكري للحرب؟
هذا هو السؤال المأزق والإجابة عليه تتطلب قراءة عميقة للواقع العسكري والسياسي والإقليمي، فمن حيث الرغبة للطرفين وكل بأهدافه الإجابة نعم، لكن من حيث الإمكانية شبه مستحيل لاسباب:
1-توازن القوى لا يوجد طرف لديه القدرة على حسم الحرب بشكل نهائي. النتيجة حرب استنزاف طويلة.
2-السودان بلد شاسع ومتعدد الإثنيات والقبائل وكل منطقة لها تركيبتها وتحالفاتها ما يجعل الحسم العسكري شبه مستحيل دون تقسيم البلاد.
3-استمرار الحرب يدفع إلى تدخلات إقليمية ودولية بصورة أوسع.
5-كلفة الحرب أكبر من قدرة الطرفين على تمويل حرب طويلة الأمد دون دعم خارجي في ظل انهيار الاقتصاد والموارد.
6-استمرار الحرب يعنى تفكيك الدولة ومزيد من المعاناة الإنسانية وتقاسم النفوذ.
7-مأسسة العنف وتحوله إلى وسيلة دائمة لحسم الصراعات السياسية.
الحل الحقيقي:
-وقف إطلاق نار بضمانات دولية.
-عملية سياسية شاملة تشمل القوى السياسية والمدنية تستهدف بناء كتلة شعبية من أجل بناء دولة مدنية ديموقراطية على أسس المواطنة والعدالة.
-إبعاد القوى العسكرية وطرفي الصراع العسكري عن العمل السياسي والاقتصاد.
-بناء جيش وطني مهني بلا مليشيات.
-تفكيك بنية النظام السلطوي المسيطرة على مفاصل الدولة المدنية والعسكرية.
الحرب في السودان ليست مجرد مواجهة عسكرية؛ بل هي معركة سياسية شاملة لإعادة رسم الدولة وتحديد من يحكم ومن يسيطر على الموارد، ومن يُقصى ومن يُعاد تمكينه، ولذلك فإن أي حل لا يعالج هذه الأهداف الخفية سيظل سطحيًا ويؤسس لدورات جديدة من العنف والصراع.

Leave a Reply