مغول اليمن

صحيفة الهدف

بينما تسعى شعوب الأرض نحو الرقي والعلو والتقدم، نجد في شعبنا المقهور فئات واسعة تمضي، عن عمد أو جهل، إلى هاوية التخلف، وتسبح في مستنقعات الظلام، محاولةً كسر عقارب الساعة وإعادتها إلى قرون الضلال والدمار.
إن الطبقة البرجوازية والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، تلك الطغمة البربرية الهمجية، لا تعيش إلا على قاعدة جائرة: إما أن نحيا نحن، أو تفنى سائر الفئات.
هؤلاء هم مغول الزمن الحاضر، أباليس في صور الآدميين، تيارات منحرفة لا ترى إلا مصالحها. ففي المشهد الاقتصادي الأخير، دُبرت لعبة قذرة خطط لها الأوباش بتنسيق مع السلطة المالية ممثلة في البنك المركزي، وكان ضحيتها الأولى الطبقة العاملة والكادحون.
إذ جرى خلال أربعين ساعة فقط خفض مفاجئ وكبير في سعر العملة الصعبة، وما تبع ذلك من تداعيات كارثية أفرغت الاقتصاد من أبسط قوانينه العلمية. فبانت هشاشة السياسات المالية وعجزها الفاضح عن مواجهة متغيرات السوق، وانكشف كيف دفعت الدولة نفسها إلى اختلاس أموال الشعب المكلوم، حين تلاعبت البنوك الخاصة وشركات الصرافة بالأسعار بذريعة الهبوط المستمر، بينما لزم البنك المركزي ومحافظه صمتًا مخزيًا مريبًا.
انتشر الخبر سريعًا بين الناس، فصار شغلهم الشاغل وحديثهم الأوحد. هرعوا لإخراج مدخراتهم وتسليمها للمغول دون تروٍّ، فعمّ الضجيج كل مكان، وفار التنور، وهاج الشعب هيجانًا لم تعرف له دولة مثيلًا، كأنهم حُمر مستنفرة أو جمال في موسم فحولتها. وما إن انقضت الساعات حتى تكشفت الحقيقة: لم يكن هناك أي هبوط اقتصادي حقيقي، بل كان الهبوط في القيم والمبادئ، والسقوط في وعي المجتمع نفسه.
تحول ذلك الهيجان إلى أوجاع نفسية ووساوس قهرية؛ الأموال تبخرت وضاعت هباءً منثورًا، وصارت هشيماً تذروه الرياح بلا رجعة. وهكذا نعيش في مجتمع يتخبطه التيه والفوضى: لا قانون يُحترم، ولا حاكم عادل، ولا كبير يرحم صغيرًا. حياة يطبعها الخوف من الغد، فيما عجلة التنمية علاها الصدأ، والبقاء دائمًا للأقذر والأشرس والأكثر وحشية، وكأننا في غابات الأمازون.
أما آن للشعب أن يتنفس حياةً كريمة؟ أما آن الأوان لمعجزة تغيّر مجرى الرياح؟
فلا سامح الله من فقد إنسانيته، ولا بارك الله في عضوٍ من هذا الجسد لم يتداعَ بالسهر والحمى كما يليق به.
* كاتب من اليمن

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.