الافتتاحية: السوشيال ميديا.. منبر للفن أم مسرح للابتذال؟

صحيفة الهدف

#ملف_الهدف_الثقافي

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي منصات للتنوير أو فضاءات للإبداع، بل غدت مسارح مفتوحة للابتذال والسقوط الأخلاقي. يتسابق فيها من يطلقون على أنفسهم لقب “فنانين” و”فنانات” في تبادل السباب والملاسنات والفضائح، حتى صار الفن، الذي هو في جوهره رسالة للجمال والذوق، مرادفاً للعُهر اللفظي والسلوك المشين. لقد شوّه أدعياء الشهرة صورة الفن، وأفرغوه من مضمونه، حتى بات المرء يخجل من ربط الكلمة بما يقدمونه.

وما يحدث على هذه المنصات ليس عبثاً شخصياً يمكن التغاضي عنه، بل صورة مشوهة تُبث إلى العالم كله. والعالم اليوم قرية صغيرة، يراقب ويُقيّم ويبني صوراً ذهنية عن الشعوب من خلال ما يُعرض على شاشات التواصل. وبقدر ما كنا نأمل أن تعكس هذه الوسائط صورة السودان كبلد حضارة وثقافة وفن راسخ، إذا بنا نقدّم أنفسنا في أسوأ هيئة: تراشق بالألفاظ، وفضائح مُفتعلة، وانحطاط يُسوَّق على أنه “فن”. ولا شك أن هذا يخصم من رصيدنا الإنساني ويشوّه صورتنا في الوعي العالمي.

المؤسف أن الشعب السوداني، وهو من أعرق شعوب المنطقة وأكثرها عطاءً، لم يُحسن بعد استثمار هذه التكنولوجيا. فبدلاً من أن تكون السوشيال ميديا منابر للتوثيق والتعليم وإبراز الفنون الأصيلة، تحولت في أيدي كثيرين إلى أداة لنشر الجهل وتكريس التفاهة.

إن الفن الحق رسالة ومسؤولية، لا تجارة رخيصة ولا نجومية زائفة. آن الأوان أن نرفع الصوت: كفى إسفافاً. إن لم نواجه هذه الفوضى بمعايير وضوابط، فإن القادم أسوأ، وسنظل مجرد مشهد بائس في مسرح التفاهة الكونية. والأدهى أن هذا الإسفاف لم يعد شأناً داخلياً، بل صار مادة يتداولها الآخرون للتندّر والسخرية. وإن استمر الحال على هذا المنوال، فلن يذكرنا العالم إلا بوصفنا شعباً أضاع إرثه الفني والثقافي في زحمة الصراخ الرقمي.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.