م. عبد المنعم مختار
منذ اندلاع الحرب في السودان، لم نسمع من الفقهاء والمشايخ إلا صدى أصواتٍ باهتة، لا تقول شيئًا، أو أسوأ: تقول ما يرضي السلطان ويُسكِت الضمير. وكأن دماء الأبرياء لا تستحق فتوى صريحة بوقف القتال، وكأن الإسلام لم يقل: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن قلة من الفقهاء امتلكوا شجاعة الموقف، وقالوا بوضوح إن هذه حرب عبثية، ودعوا إلى وقفها فورًا. أصواتهم ضاعت وسط جوقة البخور، لكنها تبقى شاهدة أن الدين لم يُختطف كله.
أما البقية، فمشغولون بتلميع الجنرالات، أو نفخ البخور تحت أقدام السادة، أو توزيع صكوك “الشهادة” على القتلى، وكأنهم لجنة قسمة الفردوس. منذ أكثر من عامين والجنرالان يعداننا بالنصر: “أسبوع”، “أسبوعين”، “شهر”، “شهرين”، “سنة”، “سنتين”… وما زالت الحرب مكانك سر. ما حُسم إلا الخراب، وما امتلأت إلا المقابر. ومع ذلك ما زالوا يرفعون شعار: “الله أكبر”. نعم، الله أكبر… لكن على من؟ على بيوت الناس المنهوبة؟ أم على أطفال ماتوا جوعًا في دارفور والجزيرة؟
ألم نتعلم من حرب الجنوب؟ يومها كانت المنابر تضج بـ”دخلت الغزالة”، و”رائحة المسك”، و”الملائكة تقاتل معنا”، و”عرس الشهيد”. كانوا يبيعون الوهم للناس باسم الجنة، حتى جاء يوم القسمة، فقعدوا مع “الكفار” على طاولة المفاوضات، وقسموا السلطة. بل إن شيخهم الأكبر، الترابي، الذي ملأ الدنيا بضجيج الجهاد، عاد وقال عن القتلى: “فطايس”. بالله أي رخص هذا؟!
إنها تجارة بالدين لا أكثر. فقهاء السلطان وحملة المسابح جعلوا الدين طبلة في موكب الجنرالات. صمتوا عن الحق، وباركوا الباطل، وأغلقوا أفواههم إلا عندما يُطلب منهم تبرير القتل باسم السماء.
كفى. هذه الحرب لن تُحسم عسكريًا مهما وعد الجنرالات، ولا ستنتهي بالزغاريد بعد “النصر المبين”. ستنتهي فقط حين يجلس الناس حول طاولة حقيقية، بلا فقهاء يبيعون دماءنا، ولا مشايخ يسوّقون الوهم.
نداؤنا إلى رجال الدين في السودان والعالم الإسلامي: كفّوا عن صمتكم، أو تواطؤكم، أو فتاواكم المعلبة. إن كان لكم ذرة من أمانة، فقولوا بوضوح: أوقفوا الحرب.
أيها الفقهاء،
إن كنتم حقًا ورثة الأنبياء، فكونوا صوت الرحمة لا صوت المدافع، وكونوا دعاة حياة لا شهود زور على الموت. الأمة بحاجة إلى كلمة حق، لا إلى مزيد من بخور السلطان.

Leave a Reply