
أمجد السيد
أصدرت الرباعية المكوّنة من مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة بيانًا مشتركًا حول السودان، بدا في صياغته محاولة جادة لرسم خارطة طريق توقف الحرب وتعيد للسودان بعضًا من استقراره المفقود. البيان، بقدر ما حمل من رسائل واضحة، أثار تساؤلات عديدة حول جدية الإرادة الدولية وإمكانية تنفيذ ما جاء فيه على أرضٍ تمزّقها النيران.
البيان شدّد على ثوابت مهمة وحدة السودان وسيادته، رفض الحسم العسكري، تسهيل المساعدات الإنسانية، وضرورة أن يكون مستقبل الحكم بيد السودانيين عبر انتقال مدني شامل. كما وضع جدولًا زمنيًا يتحدث عن هدنة إنسانية لثلاثة أشهر، يليها وقف إطلاق نار دائم، ثم عملية انتقالية تُختتم في غضون تسعة أشهر. وهذه النقاط تعكس، من حيث المبدأ، ما يطالب به الشعب السوداني منذ اندلاع الحرب وقف القتال، حماية المدنيين، وإطلاق مسار سياسي يقود لحكم مدني حقيقي.
لكن، من زاوية الواقع السوداني، يبقى السؤال هل تكفي البيانات وحدها؟ التجربة تقول إن الأطراف المتحاربة لا تزال تراهن على السلاح، وتستثمر في معاناة المدنيين. كما أن الدعم العسكري الخارجي، الذي أشار البيان إلى ضرورة وقفه، ما يزال يتدفق بطرق مختلفة، وهو ما يفاقم النزاع ويطيل أمده.
النقطة الأكثر حساسية في البيان كانت إشارته إلى رفض الجماعات المتطرفة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وهي رسالة مباشرة إلى قوى الإسلام السياسي التي لعبت دورًا بارزًا في إشعال الحرب واستثمارها. هذا الوضوح يُحسب للرباعية، لكنه يحتاج إلى ترجمة عملية عبر كبح شبكات التمويل والتجنيد، لا الاكتفاء بالتحذير اللفظي.
يبقى الرهان في النهاية على الشعب السوداني نفسه: القوى المدنية، لجان المقاومة، والنقابات، التي عليها أن تلتقط أي فرصة لوقف الحرب، ولكن دون التفريط في استقلالية القرار الوطني أو السماح بتدويل الأزمة بما يفقد السودانيين زمام المبادرة.
بيان الرباعية قد يكون خطوة مهمة على طريق طويل، لكنه لن يصبح أكثر من حبر على ورق ما لم يُترجم إلى ضغط حقيقي على المتحاربين، وما لم يتحوّل إلى التزام واضح بدعم مشروع انتقال ديمقراطي شامل. السودان لا يحتاج إلى بيانات جديدة بقدر ما يحتاج إلى أفعال توقف نزيف الدم وتفتح نافذة أمل لشعبه المنهك.
Leave a Reply