
منعم مختار
#ملف_الهدف_الثقافي
يُعد وليام شكسبير أحد أعمدة الأدب الإنجليزي والعالمي، وقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب من خلال أعماله المسرحية والشعرية، التي تجاوزت حدود الزمان والمكان. في مسرحيته _عطيل، تظهر إشارة عابرة إلى فلسطين على لسان شخصية “إميليا”، التي تتمنى السفر حافية القدمين إلى هذه الأرض المقدسة. هذه الإشارة، رغم بساطتها، تحمل دلالات عميقة عن حضور فلسطين في المخيلة الأوروبية كموقع روحي وتاريخي.
فلسطين في هذا السياق ليست مجرد مكان، بل رمز للتطهر والقداسة، ووجهة للحج والتأمل. هذا الحضور الأدبي يعكس كيف كانت فلسطين نقطة التقاء بين الشرق والغرب، ومصدرًا للإلهام في الأدب الغربي، من القرون الوسطى إلى العصر الحديث.
فلسطين ليست فقط أرضًا للصراع السياسي، بل هي مهد حضارات عظيمة، وموطن للديانات السماوية الثلاث: الإسلام، المسيحية، واليهودية. عبر العصور، كانت فلسطين:
– مركزًا للتجارة والثقافة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا
– موطنًا للأنبياء مثل إبراهيم، موسى، داود، وعيسى عليهم السلام
– مسرحًا لحضارات متعددة: الكنعانية، المصرية، الآشورية، اليونانية، الرومانية، الإسلامية، والعثمانية
– موقعًا للمعجزات والرموز الدينية، مثل الإسراء والمعراج، وكنيسة القيامة، وحائط البراق
هذا التنوع الحضاري جعل من فلسطين أرضًا غنية بالتراث، والرموز، والقصص، التي ألهمت الأدباء والفلاسفة عبر التاريخ.
إلى جانب شكسبير، ظهرت فلسطين في أعمال أدبية وفكرية متعددة:
– في روايات الرحالة الأوروبيين، كانت توصف بأنها “أرض الأنبياء” و”بوابة السماء”.
– في الأدب الروسي، كتب دوستويفسكي عن القدس كرمز للتطهر الروحي.
– في الأدب الفرنسي، تناول فيكتور هوغو وفولتير فلسطين كرمز للعدالة الإلهية.
– في الأدب العربي الحديث، أصبحت فلسطين رمزًا للمقاومة والهوية، كما في أعمال غسان كنفاني ومحمود درويش.
وإذا كان الأدب قد حمل راية القضية، فإن المسرح حوّلها إلى فعل حي، في المسرح المعاصر، لم تعد فلسطين مجرد مكان مقدس أو رمز ديني كما جسدها شكسبير، بل غدت جسدًا حيًّا للمقاومة الثقافية ومختبرًا لإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية، حيث يتحول الخشبة إلى فضاء للصراع الوجودي كما في مسرحية(المخدوعون) لغسان كنفاني (1972م)، ومنصة لتوثيق التهجير كما فعلت فرقة الحكواتي في (أرض الزيتون) (1984م). ومن رحم المعاناة وُلدت تجارب رائدة مثل مسرح الحرية في جنين، الذي أسسه جوليانو مير خميس (2006م) ليجعل من الشارع الفلسطيني مسرحًا مفتوحًا عبر العروض التفاعلية وورش (مسرح المنهوبين)، ومسرح القصبة في رام الله، الذي قدّم أعمالًا مثل (جدار) (2015م)، حيث تحوّل الجدار الفاصل إلى شخصية مسرحية تفضح عبثية الاحتلال. ولم يبق التمثيل محليًا، إذ عبرت فلسطين الخشبات العالمية من خلال أعمال مثل (فلسطين على طول) لفرقة “أجساد غريبة” البريطانية (2017م)، التي مزجت الوثائقي بالمسرح لفضح الاستيطان، أو مسرحية (حجر عثر) للمسرح الوطني الفرنسي (2021م)، التي قاربت بين التراجيديا الإغريقية ومأساة غزة. ومع صعود التقنيات الجديدة، ظهر المسرح الافتراضي عبر عروض “مسرح الحارة” على زووم أثناء حصار غزة، وتجربة “مسرح الشهادة”، التي أعادت تمثيل شهادات كبار السن عن النكبة (فرقة بلادنا 2020م). وهكذا يتجاوز المسرح الفلسطيني حدود الفن إلى أن يصبح فعلًا تحرريًا يخلق واقعًا موازيًا للاحتلال ويحوّل الأداء إلى مقاومة رمزية يومية، مؤكدًا أن الثقافة ليست ترفًا بل سلاح وجود.
وبالطبع ارتبط بفلسطين عدد كبير من المشاهير من المفكرين والعلماء والادباء، لا يمكن إحصاؤهم في هذه العجالة نذكر منهم كأمثلة إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الأمريكي، الذي أعاد تشكيل فهم الغرب للشرق في كتابه الاستشراق. وما زال هذا الإلهام يتجدد عبر شخصيات مثل
1. محمود درويش شاعر فلسطيني جعل من فلسطين رمزًا عالميًا للكرامة والحرية ألبيرت أينشتاين عالم فيزياء دعم تأسيس الجامعة العبرية في القدس
2. موسى بن ميمون فيلسوف وطبيب عاش في القدس وكتب في الفلسفة اليهودية والإسلامية
3. غسان مطر ممثل فلسطيني جسّد القضية الفلسطينية في السينما العربية
4. صفاء سلطان ممثلة سورية من أصل فلسطيني تعود جذورها إلى مدينة جنين
5. رزان جمال ممثلة لبنانية تحمل أصولًا فلسطينية من جهة والدتها
6. جوليا بطرس مغنية لبنانية غنت للمقاومة الفلسطينية وكرّست فنها لدعم القضية
7. عبد السلام النابلسي ممثل لبناني فلسطيني الأصل ساهم في السينما المصرية الكلاسيكية
8. ميس حمدان فنانة أردنية فلسطينية عبرت عن فخرها بأصولها الفلسطينية في أعمالها
اختم بالتأكيد على ان فلسطين ليست مجرد أرض محتلة أو قضية سياسية، بل هي مرآة للوجدان الإنساني، ومصدر إلهام لا ينضب. من المسرحيات الكلاسيكية إلى الشعر الحديث، ومن الفلاسفة إلى الفنانين، تظل فلسطين حاضرة في الوعي الثقافي العالمي، كرمز للقداسة، والصمود، والجمال، الذي لا يُقهر.
وبالطبع طال الزمان أو قصر ستعود فلسطين لحضن أمتها العربية معززة مكرمة تفخر بعروبتها من البحر للنهر فإرادة الشعوب لا تقهر
Leave a Reply