
بقلم : د. عصام علي حسين
تحول رأس المال في ظل النظام الرأسمالي الحالي من وظائفه التقليدية كمخزن ووسيط لتبادل سلعه تباع وتشترى في الأسواق ” تجارة نقود ” حيث يدور في أسواق العالم ما يزيد على 100 تريليون دولار ( 100 ألف مليار دولار ) يضمها 800 صندوق استثمار ويتم التعامل يومياً فيما يقارب من 1500 مليار دولار أي أكثر من مرتين ونصف الناتج القومي العربي دون ربط أو ضابط وهو ما أدى إلى زيادة درجة الاضطراب والفوضى في الأسواق المالية.
هذة المعاملات المالية تترتب عليها فوائد وهي في حد ذاتها يمكن اعتبارها التزامات مالية أو ديون فمن اين يتم سدادها ؟ومن أين ياتى المال بضمان استمرار هذا النظام؟ “طبع الأموال أسهل ” ومن ثم ضخها إلى الأسواق والبنوك سوى إن كانت ورقية أو الكترونية لذلك من الطبيعي أن يصل عجز الولايات المتحدة 600 مليار دولار عام 2000م وطوال هذه الفترة كانت أمريكا تسد هذا العجز عن طريق بقية شعوب العالم في الأسواق المالية “المزدهرة” ببساطة كانت أمريكا تعطي العالم أوراقاً مقابل الصادرات وقام المصدرون باستثمار ذات الورق في داخل أمريكا وتم في آخر عام1999م طبع كميات خيالية من الدولارات بحجة الخوف من انهيار أنظمة الكمبيوتر في العالم عند التحول إلى العام 2000م لذلك قامت المصارف المركزية في العالم بطبع وتجهيز العملات لتوزيعها وتداولها يدوياً في حالة تعطل أجهزتها الإلكترونية وجاء عام 2000م ولم تتعطل أجهزة الكمبيوتر لكن الأموال التي طبعتها أمريكا لم يتم إتلافها بل تم ضخها للتداول في أسواق المال.
الثابت أن الوجه المتشدد للرأسمالية ظهر الآن بأقبح صورة، وأن هذه الصورة لم تعد تخفى على أنصار الرأسمالية من عامة السكان، الذين لم يرتبط تأييدهم لها بالرفاهية المعيشية فقط، بل ارتبط أيضا بتصويرها هي الشقيق التوأم للتحرر من مختلف القيود، مع تصوير ذلك هدفا جديرا بالعمل من أجله والدفاع عنه، وهنا يكمن محور الارتباط الوثيق بين الرأسمالية وتطوّرها إلى متشددة، وبين “الليبرالية” وما بات يوصف من مراحلها بالجديدة.
بقى أن نشير إلى أن البعض يستغل النقد المستحق لغياب الأبعاد الأخلاقية والتغاضي عن أسس العدالة في النظم الرأسمالية لتصوير الأمر وكأن هذه هي المشكلة الجوهرية لتلك النظم، والواقع أنه لو كانت مشكلة الرأسمالية تتعلق فقط بتردي «عدالة توزيع ثمار النمو» لهان الأمر، إلا أن المشكلة أفدح من ذلك بكثير، إذ يبقى جوهر النقد الموجه لنمط الإنتاج الرأسمالي أنه مأزوم تؤدي آليات عمله إلى خلق الأزمات الاقتصادية، ثم تسمح مرونته بابتكار مخارج جديدة لتجاوز تلك الأزمات، ثم ما تلبث تلك المخارج أن تتسبب في أزمات جديدة أعقد من سابقاتها فتبدأ عجلة ابتكار المخارج في الدوران من جديد.
ترى إلى أي مدى ستظل مرونة الرأسمالية قادرة على أن تعبر بها مزالق الأزمات المتتالية؟ وإلى متى سيصبر على الرأسمالية أولئك الذين يتحملون رغما عنهم سداد فواتير تلك الأزمات هم وأبناؤهم من بعدهم؟.ومهما كانت هناك مؤشرات لخطة عملاقة أو خطة جانبية لإنقاذ الوضع من الانهيار إلا أننا مقتنعين أن سقوطها بات مؤكداً وعلى الرغم من أن سقوط الأفكار وانهيارها يحتاج إلى زمن إلا أن السؤال الواجب طرحه لم يعد هل تنهار الرأسمالية وإنما متى؟ لأنها سقطت في ميدان الأخلاق والقيم .