د.منال حسن مختار تكتب: التدويل ونفوذ النظام

  • تتأرجح العِلاقة في فقه الفعل الآدمي بين عمليتي الانسجام والاختلاف وينتج عن ذلك ما يعرف بالصراع، وتحتاج هذه العمليات في ديناميكيتها إلى آلية (اللقاء) داخل إطار الجماعة.
  • ولأن اللقاء يكون في إطار الجماعة فمن البديهي أن ينتج عنه تناقض في المصالح والأهداف والأولويات ويتمثل ذلك بالمنافسة ودورها في تأجيج الصراع. وهذا هو الوصف الموضوعي للصراع الدائر في السودان الذي يطلق عليه (الحرب العبثية). وهو صراع تعسرت كافة المبادرات الرامية لوقفه.
  • وتزايد مخاطر هذا الصراع أدى إلى تزايد الاهتمام الدُّوَليّ به وذلك لأن مظاهره قد كشفت الستر عن دوافعه المستترة التي أثبتتها تنقلاته المتتابعة الأمر الذي دعا لتدويله من منطلق التدخل الدُّوَليّ.
  • إن طبيعة تدخل دولة في شؤون دولة يرتبط بمفهوم (الشرعية) وهذا يستدعي معرفة الفرق بين المفهوم العام للتدخل وبين مفهوم التدخل النظامي، وإذا وضعنا ظاهرة الحرب العبثية في دائرة العبث نجدها سبب يستدعي التدخل النظامي، وفي هذا الصدد علينا افتراض أنموذج لتبرير ضرورة التدخل النظامي ولنأخذ من السودان أنموذج، فالسودان بموقعه الجغرافي في الوَسَط الإقليمي والدولي يعتبر وسيط لعدة أسباب منها التمركز الجيو سياسي والتميز الطبيعي باحتوائه للموارد المتعددة والمتنوعة التي يحتاجها الوَسَط الإقليمي والدولي.
  • وقد ترتب على هذا التميز والتمركز مصالح متشابكة أدت لخلق مرتكزات تعاملية لها شكلها وأبعادها وكانت بمنزلة دوافع فرعية وظيفتها دعم آلية التدخل الدُّوَليّ في الشأن السوداني.
  • ويعتبر الفشل لإدارة الأداء الناتج من تناقض المصالح في السودان هو السبب المباشر للتدويل.
  • والتدويل بهذا المفهوم لا يعتبر تدخلا سافرا من حيث الصَّلاحِيَة القانونية وذلك بسبب التأثير السلبي للحرب العبثية على كافة الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية الذي أوقعها في نطاق سوء التصرف.
  • فالحكومة الانقلابية بسبب رفضها لكافة مبادرات السلام وبسبب عدم مواءمة التقديرات مع المتغيرات واستخدامها لسلطة النفوذ الاستحواذي جعلت من تدويل أزمة الحرب في السودان مرجعية لضرورة التدخل النظامي وأقصد بذلك النفوذ الإداري كآلية لهذا التدخل.
  • والنفوذ النظامي يختلف باختلاف تصنيف الدول حسب منطق الوصف الاقتصادي فمثلا دول العالم الثالث المتخلفة اقتصاديًا تقع تحت قبضة ما يسمى بضعف الموقف التساومي بمعنى إنها تكون بمنزلة موضوع لهذا النفوذ لا سيّما وتدويل الأزمة السودانية حسب هذه المعطيات لا يعتبر تدخلا إنما هو فعل تنظيمي، وذلك وفقا للمبررات التي ارتبطت بحماية المدنيين وترسيخ مفهوم الحقوق الإنسانية.
  • فإذا كان النفوذ النظامي الهادف لوقف الحرب في السودان ينطلق من قاعدة حماية المدنيين فإنه في هذه الحالة يحتاج للوسائل والأدوات وفقا للشروط التفضيلية وتكون الشرعية هي المرجعية لهذا الهدف، والشرعية المقصودة في هذا الوصف ليست الصفة القانونية لأن هذا المقام يستدعي الوصف وليس القانون.
  • فالشرعية الدولية للتدخل الدُّوَليّ في السودان هي ليست تلك التي تكون في مقام القانون فهناك حالات من الشرعية تكون خرقا للقانون ولكنها تكون مدعومة بالشرعية، ذلك لأن الشرعية المطلوبة في هذا المقام هي الشرعية السياسية لارتباطها الوثيق بمستويات المشاركة في العملية السياسية المترتب عليها صناعة القرار الذي بموجبه قيام الحرب أو وقفها، وهو فعل يتم بمقتضى إسناد القيم وبهذا الإسناد تكون المصلحة الوطنية هي المرجعية للشرعية لأنها قيمة عليا مرتبطة بجوهر القضية.
  • والتدويل في هذا المقام هو الجهة التي ستحدد أبعاد الشرعية وشكل التدخل أو التدويل ذلك لأن الشرعية تعتمد على مدى الاستجابة والحاجة، ولأن أزمة الحرب في السودان قد استوفت هذا المدى فالتدويل والتدخل الدُّوَليّ اصبح ضرورة تعدت حدود الحل الداخلي.
  • واستخدام مصطلح النفوذ النظامي قد يكون نسقا يهدف لتحديد نوع التفاعل بين الوحدات السياسية أو قد يكون مجموعة من المتغيرات المرتبطة بقواعد السلوك السياسي وفقا لرؤية النظم الدولية ذلك أن النفوذ النظامي يتقرر بعدد من الثوابت مثل:
* التفاعل بين الأطراف النظامية.
* وحدات النظام من حيث القُوَى الفاعلة.
* الوَسَط الذي يدار فيه النفوذ.
* الحدود النظامية.
* الهيكل من حيث مكونات القوة.
  • وهذه الثوابت تتميز بالعلاقة الكُلِّيَّة لأنها العناصر المكونة للمعدل التراكمي للديناميكية الذاتية التي تتوقف عليها معدلات التغيير.
  • ختام القول إن أزمة الحرب في السودان قد خرجت من نطاق التناول الداخلي والإقليمي إلى نطاق التدويل المفضي للتدخل الأجنبي منذ انعقاد اجتماع جنيف وهو ما سيترتب عليه واقع السودان في مستقبل الأيام.
# حرية سلام وعدالة
# الثورة مستمرة
# لا للح.رب