الجنرال الذي يبيع دواء الإسهال لعلاج السعال

صحيفة الهدف

إذا كان في وسع علم النفس أن يمنحنا تفسيرًا لظاهرة ياسر العطا، فهو سيضعها على الأرجح تحت باب: “ثقة زائدة بلا سبب… وخيال سلطوي بلا حدود”. فالرجل، حفظنا الله وإياه، يتعامل مع فكرة الانقلاب كما يتعامل الصيدلي المستهبل في النادرة الشعبية: تبحث عن دواء للقحة، فيمد لك يده بدواء إسهال ويقسم أنه “أفضل حاجة للقحة”!

هكذا يفعل العطا: البلد تحتاج إلى استقرار، خدمات، تعليم، صحة، وإعادة بناء الدولة… فيمد يده بانقلاب.
والأعجب أنه يروّج له كعلاج “مجرّب” بينما التاريخ كلّه يصرخ في وجهه: يا جنرال… هذا الدواء هو المرض ذاته.

من الناحية النفسية، تبدو تصريحات الرجل أقرب إلى أعراض “ارتباك الدور”؛ فهو جنرال يعتقد أن السلطة وظيفة عسكرية، وأن صناديق الاقتراع مجرد إجازة غير مرغوبة. يتحدث كما لو كان صاحب حق طبيعي في الحكم: إن جاءت المدنية عبر الانتخابات… سينقلب عليها، وإن أُحيل للمعاش… سينقلب عليها أيضًا.
هذا ليس موقفًا سياسيًا؛ هذا هوس بالسلطة مهما تغيّرت الظروف، كأنها فريضة عين لا تسقط بالتقادم.

ولأن النفس إذا تشوهت سلطويًا صارت عاجزة عن رؤية الواقع، لا يرى العطا أن المناطق “المحررة” التي يشير إليها تعيش اليوم بلا مستشفيات ولا مدارس ولا ماء ولا حياة.
يرى الجيش… ولا يرى الجوع.
يرى “السيطرة”… ولا يرى انهيار الدولة.
يرى “الانتصار”… ولا يرى أن المواطن يقفز فوق الركام بحثًا عن رغيف.

والقانون، محليًا ودوليًا، لا يحتار كثيرًا في توصيف كهذا؛ فالتهديد بالانقلاب يُعد في حد ذاته ج-ريمة مكتملة الأركان. مجرد إعلان النية – كما يقول القانونيون – يضع قائله في مواجهة مواد تصل عقوبتها إلى الإع-دام. لكن العطا يتحدث مطمئنًا، كما لو أنه في دولة بلا قضاء، بلا مؤسسات، بلا شعب يستحق أن يُحترم.

والحق أن الكيزان لم يخربوا الاقتصاد وحده ولا التعليم وحده، بل خربوا الجيش ذاته: جعلوه مساحة للولاء الأعمى لا للوطن، وللترقي بالسمع والطاعة لا بالكفاءة. والنتيجة جيش فيه الجنرال الثالث يعلن – على الهواء – استعداده لإعادة تدوير الكارثة من جديد.

يا سيادتك!!؟ إن الانقلاب ليس شجاعة، ولا حماية، ولا رجولة سياسية.
الانقلاب اعتراف صريح بفشلٍ لا يُداوى… ومحاولة يائسة لتأجيل سقوط محتوم.

وفي دولة تبحث عن خلاص حقيقي، لا دواء أنجع من الحقيقة:
من لا يؤمن بالشعب… لا يستحق أن يكون في صف من يحميه.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.