
عدم سقوط النظام لا يعطي مشروعية لاستمراره أو للالتحاق به بأغطية بالية
بقلم: م. عادل خلف الله
.
النظام تجاوز من وقت طويل مرحلة العجز والفشل، والشواهد على ذلك وعلى كافة الاصعدة لا تحصى، بل اصبح استمراره يعتمد في الأساس على توازن القوى بين مراكزه المتشبثة بالسلطة والقوى الخارجية، مما يعاظم من مخاطر استمراره لوحدة البلاد وامنها واستقرارها وسيادتها … أهم تطور في ذلك، تأكيد فشل طريق التطور الرأسمالي في تحقيق التنمية الشاملة والاستقرار السياسي والاجتماعي والأغطية الايدلوجية التي صاحبته اولاً وعزلته عن الشعب وعداءه السافر لتطلعاته، وقمعه الفاشي في مواجهة ابسط المطالب، ثانياًحيث لم يشهد تاريخنا الوطني عزلة شعبية لنظام تصل حد الكراهية كما الٱن… وما سمى بالتعديلات الدستورية، التي اختزلت كل السلطات في يد فرد مستند على جهاز للقمع مطلق السلطات لإدارة الأزمة، إلا تعبير ادراكي من النظام على ذلك. ومن الطبيعي أن تكون هنالك انعكاسات وإفرازات على تماسك النسيج الاجتماعي ومخزونه القيمي وخبراته النضالية، بعد ربع قرن من استراتيجية التمكين المعبرة عن مصالح وتوجهات الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة وغير المتأسلمة، كرأسمالية بدائية ومتخلفة، رغم آثار تحالف الدكتاتورية والرأسمالية الطفيلية على البنية المجتمعية جراء الحروب والنزوح، والهجرة الداخلية والخارجية، وتصفية مؤسسات الدولة والمجتمع، وتشريد العاملين، ومعاداة الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحاولات تصفية مقومات التعددية السياسية والفكرية، الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وتراجع دور الدولة في إدارة العملية الاقتصادية لصالح ذلك التحالف، ما يزال مجتمعنا بخير، والشواهد على ذلك لا تحصى ولا تعد، منذ 1989، ودون الايغال في ذلك السفر، نذكر الآن اعتصامات المناصير وكجبار، وجسارات حركتنا الطلابية في جامعاتها المختلفة، نيالا، كردفان، غرب كردفان، القضارف، الجزيرة، البحر الأحمر، الخرطوم، السودان، النيلين، الأهلية، وادي النيل، امدرمان الاسلامية، هبة سبتمبر، ملحمة الحماداب، الحلفاية، التضامن الشعبي مع أسر الشهداء والمعتقلين والمصابين، إضرابات الاطباء والمعلمين والمهندسين والمزارعين، التفاعل الجماهيري مع حوار البعث مع الشعب رغم المحاكم والاعتقالات واخيرا المقاطعة الشعبية لما يسمية النظام بالانتخابات، يخطئ من يقيس فعالية المجتمع بعدم احتجاجه الحركي على حدث ما في ذات اللحظة وبذات الحجم وكما يريد او يتوق، بل عليه ان يعمل العقل الموضوعي والتحليل العلمي للوصول لأسباب ونتائج جوهرية ومستقبلية، (عفوية الجماهير لا يمكن ان تكون على خطأ )، سواء تحركت، أو تمهلت، كما قال الاستاذ احمد ميشيل عفلق، وللتاريخ، ما اشبه الليلة بالبارحة، حينما توصلت ذات الأطراف، التي امتهنت التجوال بين العواصم الخارجية، الى ما اسمته الحل السياسي التفاوضي مع النظام في مصوع 1998، اندلعت قبل ان ينفض سامرهم انتفاضة شعبية واسعة بدأت ببورتسودان ثم الخرطوم إلى مدني والابيض، كمؤشر لا تخطئه العين عن افتراق خيارات تلك الاطراف، وخيار الشعب واستعداده. وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن النظر الى عدم اكتراث الغالبية الساحقة من الشعب بما تقوم به تلك الأطراف، وعدم تفاعلها مع بياناتها ونداءاتها المتكررة، ومع ردود فعل النظام التكتيكية على أطرافها، ومع إدانة الاعتقال فكرة ومؤسسة قمعية، يمكننا القول ان عدم انفعال قطاعات واسعة من الشعب باعتقال الموقعين على كثبان النداءات المتحركة، يعود في جانب منه الى استمرار افتراق خيار النخب السياسية والجهوية والزعامات عن خيار الشعب، والذي لا جديد فيه سوي تكرار تجارب بائسة وفاشلة ، بتغير مواقع عواصم التوقيع، كدالة على تعاظم التأثير الخارجي في الشأن الوطني، والرهان عليه من قبل تلك الأطراف. وهو ما لم يحقق سوى طموحاتها الذاتية وتقاسمها مع النظام السلطة والقمع السياسي والاقتصادي. (راجع اتفاقاتها التي لا تحصى، بدءاً من وفد مقدمة الراحل زين العابدين الهندي ، الخرطوم للسلام ، مشاكوس ، كوكا دام ، ابوجا ، نيفاشا ، جدة الاطاري ، القاهرة ، الدوحة،……) ، ومن عجب نفس الملامح والشبه!! هل ستكتشف تلك النخب في برلين اليوم او مصوع او اديس او الدوحة او جوهانسبرج غداً، اوفي اي مكان ما، قانون الجاذبية الارضية مجدداً؟؟
تمر بلادنا بمخاض مرحلة حاسمة من تطورها الوطني، سينتهي لا محالة بفرز برامجي يترتب عليه اصطفاف ينهي مرحلة تداخل الخنادق واختلاط الاوراق التي سعت اطرافها، في السلطة والمعارضة، بوعي لتغبيش الوعي المجتمعي بجذور الأزمة الوطنية ومسبباتها، وحقيقة الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الدائر في البلاد منذ نيل الاستقلال ، وفشل القوى الاجتماعية التي تسيدت المشهد السياسي والسلطة في حسمه ولمصلحة الغالبية العظمى من الشعب بتغليبها لمصالحها الضيقة وإبقائها على ركائز التخلف والتبعية.
وكدليل على تداخل الخنادق واختلاط الأوراق تفرس في مصطلح المعارضة، وكذلك مصطلح منظمات المجتمع المدني، تجد داخل إطار المعارضة واجهات النظام والخارجين عنه بهدف الإصلاح، والذين يستخدمون المصطلح (المعارضة) تكتيك لتحسين شروط المشاركة فيه، إضافة الى المعارضون بهدف اسقاطه، قد أسهمت هذه الفسيفساء في تعميق الأزمة وإطالة أمد النظام. المنادون باسقاط النظام كشرط للبدء في تجاوز الأزمة متنازعون حول وسيلة الاسقاط، سلمية ديمقراطية كما ترسخ في تجربة الشعب ووعيه ام عنيفة مسلحة؟ ولقد خبر الشعب تجاربها وسقفها الذي لم يتجاوز مصالحتها للسلطة ودون المساس بمرتكزات التخلف والتبعية، على الرغم من المعاناة والتضحيات وصخب شعاراتها، وبذات النظرة تفحص مصطلح منظمات المجتمع المدني، لشعب السودان تجربته الثرة في هذا الحقل وكانت بالفعل اسما على مسمى، الجمعيات الأدبية والفنية والاجتماعية منذ ابو روف ومؤتمر الخريجين وقدامى المحاربين ومعهد القرش والتعليم الاهلي والتعاون والجمعيات الخيرية وروابط الخريجين، ومناهضة غلاء المهور والخفاض ورائدات المرأة، وصولا لنشوء الاحزاب والنقابات. اين أمسى اليوم من الامس؟ وكيف يكون امتدادا لتجربته وعمقها الشعبي؟
تجاوز الافتراق بين خيارات بعض النخب السياسية والجهوية والزعامات، وطريق الشعب وتغليب مصالحه وتطلعاته رهين الانسجام بين وحدة الهدف (اسقاط النظام ولصالح الغالبية الساحقة من الشعب ) والوسيلة النضالية الجماهيرية (تقاليد النضال السلمي الديمقراطي)، وذلك ليس بمستحيل ولا عصي على الشعب، عبقري الانتفاضة ومجددها والمتمسك بها، وهو ما يقتضي من المخلصين لمعاناته وتضحياته، المستلهمين لتجربتة النضالية، الحادبين على تجاوز بلادنا لأزمتها الشاملة، والتي يقف النظام عقبة امام تجاوزها، توفيق الاوضاع التنظيمية والتعبوية لتتكافأ مع متطلبات المنازلة لتستوعب قطاعات واسعة من الشعب وتحشدها على طريق الانتفاضة الشعبية، كتعبير عن الايمان والثقة بوعي الشعب وارادته الغالبة فعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم. وتبقى الانتفاضة هي الخيار الوطني الذي يقود الى الحل الوطني الصحيح والأصوب، مهما طال الزمن و بلغت التضحيات.
بهذا الاتجاه تكون الاجابة على تواتر السؤال عن لماذا استمر في السلطة نظام فاشل وعاجز ومعزول عن الشعب؟ وبعبارة أخرى لماذا فشلت المعارضة في مهمة اسقاطه حتى الآن؟ ومع أهمية طرح السؤال بعبارته الاخيرة تبقى الاجابة المفتاحية كيف ترتقي المعارضة المنظمة والشعبية، باعتبار ان أغلب الجماهير لاسباب تاريخية واجتماعية وعملية خارج أطر التنظيم مع أهميته، بوسائل عملها ونضالها لتوحيد اصطفافها حول هدف إسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني؟
فعدم اسقاط النظام لا يعطي مشروعية لاستمراره أو إطالة أمده بتوسيع قاعدة المشاركه فيه.
مهما هم تأخروا فإنهم يأتون….
ولا بد من صنعاء وان طال السفر، كما يقول المأثور الشعبي والغنائي.