
الطيب برير
عنبة!!
كان اسمه حسين..
تقوّست قدماه بشكل لافت؛ فقصُرتْ قامتُه للرائي..؛
لكن لم يلحق به لقب “البعيو”، على ما جرت عليه العادة وقتذاك حيال كلّ قصيرِ قامة..
مرحٌ.. منفلتُ المرح.. بسمتٍ يميل إلى الهزل والفوضى..
يتراوح معدل مرحه بين ابتسامة تزداد وضوحًا وإشراقًا، كاشفة عن اضطرابِ مصفوفة أسنانه، حين يحيلها إلى ضحكة كاملة الجلجة..
لم يكن المحيط الجغرافي، الذي أتى منه يعينه على دخول “الريفية”.. ولا مستواه الأكاديمي المتأرجح بين الـ”لا بأس به” و”الضعيف”..
كان من المنطقي أن يكون طالبًا في “الشعبية” أو “الدويم 4″، وكلتاهما على بعد خطوات من مسكنه بالحي الرابع، على مقربة من المقابر..
شيء “ما” أعناه على الالتحاق بـ”الريفية”..
كان اسمه حسين حتى تلك الأمسية حين صعد إلى منبر “الجمعية الأدبية” في إحدى الاثنينيات..؛
غنى أغنية “أسأل العنبة”، من نظم الشاعر إسحق الحلنقي، وغناء المطرب التاج مكي.. كانت الأغنية رائجة وقتها، ولها صيت وسمعة ومعجبون كثر..
جديدة بمعنى الجدة، وفق متغيرات الزمن، ومتقلبات المزاج والذّوق..
غنّاها “حسين” بمرحه المعتاد.. متحرّيًا تقليد مؤديها بأقصى ما يملك من “موهبة” المسرحة والمقردة..
غنّاها بصوت صبي يكابد الخروج من عفوية الطفولة إلى مهيّجات البلوغ، بكلّ نوازعها المضطربات..
لا أذكر من كان معه من “الكورس”، الذين أناط بهم أن “يشيلوا معه”، بترديدهم على نمط ببغاوي: “كان مغالطنا وما مصدقنا”.. تحضيرًا له لـ”يصدح” بقوله: “أسال العنبة الرامية فوق بيتنا”.. في هذه الجزئية بالتحديد كان يكمن سر الفرح في الأغنية..
فحين يأتي دور “الكورس” يلتفت إليهم “حسين” نصف التفاتة كالمذكّر لهم، فيدفعون له ما عليهم من جزء الأغنية المنطوي على شبهة سؤال افتراضي، فيستقبل هو الجمهور مجيبًا: “أسال العنبة الرامية فوق بيتنا”..
مراوحة مرحة.. خلقت “جوًّا” في تلك الأمسية..
وإعجابًا كسر قوانين “الجمعية الأدبية”، وسمح بخروجها عن الرّوح الرسمية بعض الشّيء..
حين نزل من المسرح، مشفوعًا بالتصفيق، كان لقب “عنبة” ينتظره عند الدرج
لبسه بأسرع ما يلبس اللابسون..!
من أطلقه؟ لا أعلم..!
لكن كانت تلك الساعة بداية لشخص قديم باسم “حسين” إلى شخص جديد نعته: “حسين عنبة” أو “عنبة”..
يُنادى عليه بالاسم واللّقب مجتمعين حينًا، ومفترقين في أحايين أخرى، فهو تارة حسين، وكثيرًا “عنبة”/ “حسين عنبة”..
في الأولى/ “حسين” يلتفت باعتياد، وفق ما تقتضيه حاجة المُنادي..
أما في الأخرى/ “حسين عنبة”، وبخاصة في حالة الإفراد “عنبة”، فيزداد بهجة، ويزهو حلمًا بمخاييلِ مطربٍ منتظرٍ..
يا للأسف..!! لم يبلغ “حسين” غايته، ولم يتجاوز بـ”العنبة” حدّ إعجاب زملائه على مسرح محصور، في عالم من خيال منفتح.
Leave a Reply