“الضرا”…. سُنْة سودانية تراجعت أمام الحرب العبثية

بقلم: ماجد الغوث

يبدع السودانيون في تقديم أشكال مختلفة ومتعددة من التكافل الاجتماعي، التي تخفف إلى حدٍ كبير من وطأة العوز والحوجة في ظل انعدام الأمن .
والتكافل الاجتماعي أداة رئيسية للشعب السوداني لتقوية الترابط الأسري وتعزيز التضامن الاجتماعي في مواجهة الحرب العبثية .
“الضرا” ، عادة اجتماعية سودانية متوارثة تكون في شهر رمضان من كل عام . وتعني كلمة “الضرا” ، الحماية والسند بغرض التراحم والكرم .
تقوم فكرة “الضرا” علي مشاركة المائدة الرمضانية بين جيران الحي الواحد وضيوفهم وعابري السبيل بهدف تحقيق قيم التكافل والتضامن والمساواة ، ففي “الضرا” تنعدم الفوارق الاجتماعية والطبقية.
وتنفذ فكرة “الضرا” بتناول الإفطار في الشوارع والساحات بدل المنازل
ومقاسمة الطعام مع العابرين والسابلة، وهي قيمة اجتماعية تعزز التآخي بين الأغنياء والفقراء.
تنتشر عادة “الضرا” في كافة ولايات السودان، وفي مجالس العُمد والمشائخ والسلاطين ، وهي موجودة عندهم طوال العام، ولكنها، تصبح مفردة يومية عامة في شهر رمضان المُعظّم .
ويكون “للضرا” طابع مميز ، لاسيما في القرى والمنازل، التي تقع علي الطُرق السفرية، إذ يسعى الأهالي إلى تقديم الإفطار لعابري السبيل من المسافرين ويتسابقون في إكرامهم باعتراض طريقهم، وبكلمة “حَرْم تنزِل”.
وعادة إفطار “الضرا” الرمضاني قيمة اجتماعية يجري غرسها لدى الأطفال حتى يحافظوا على هذه العادة الاجتماعية المتوارثة . وقبل مواعيد الإفطار بساعات يخرج الصغار إلى الشوارع، والمساهمة في المساعدة لتجهيز الفْرِش في الخارج بدلاً عن البقاء في المنازل . ويظل المجتمعون في “الضرا” متحلقون حول موائدهم حتى صلاة التراويح بعد أداء صلاتي المغرب والعشاء، في حالة كسلٍ وتراخي لذيذ.
ولطالما شكّلت إفطارات الشوارع والأزقة مشهدًا اجتماعيًا في غالب مناطق السودان خلال شهر رمضان ، ولكن ، بعد اندلاع الحرب العبثية في رمضان العام 1444هجرية/ 15 أبريل 2023 ميلادية، افتقد السودانيون الإفطار في الطرق والشوارع، الذي يعتبر أحد أهم طقوس رمضان في السودان، لأنه تقليد وثيق ارتبط بعاداتهم وحياتهم الإجتماعية . ونتيجة للقص-ف الجوي والمدفعي وإطلاق  الن ار العشوائي يخشى الناس الخروج إلى الشوارع
وفي محاولة للتغلب على وضع الحرب يتجمع الجيران داخل أحد المنازل يوميًا لتناول الإفطار بشكلٍ جماعي .
ويشير الباحث في التراث السوداني – عبد الله شيخ إدريس – بأن الحرب العبثية أثرت على كل نواحي الحياة في السودان ، ولا شك أن انزواء عادة “الضرا” بمثابة فقدان لملمح رئيسي من ملامح رمضان في السودان ، مضيفًا، وبتمسك السودانيون بعادة الإفطار في الشوارع أو ما يُعرف “بالضرا” ، وهو موروث ثقافي يؤشر إلى التكافل والتعاضد في شهر الخير والبركة.
كما أن الحرب أوجدت واقعا اقتصادياً صعبًا مما قلٌص من قدرة المواطنين على إعداد مائدة رمضانية متكاملة .

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.