“المرأة المثقفة في المجتمعات العربية والإفريقية: بين الوعي والاتهام”

بقلم: زكريا نمر

في العديد من المجتمعات العربية والإفريقية، حيث لا تزال التقاليد تهيمن على جوانب الحياة، تبرز صورة المرأة المثقفة كحالة استثنائية وغالبًا ما يُساء فهمها. تواجه هذه المرأة أحكامًا مسبقة وتحيط بها الشكوك، ليس لأنها ارتكبت خطأ، بل لأنها اختارت طريق الوعي في بيئة لا تُرحب عادةً بالفكر عندما يأتي من امرأة. ومع ذلك، لا تعير اهتمامًا كبيرًا لما يُقال، لأنها تدرك تمامًا أن الوعي هو مسار طويل، قد يتطلب أحيانًا الصمت وأحيانًا المواجهة، لكنه يستحق كل جهد.

المرأة المثقفة لا تقرأ للتفاخر، بل لتتعلم وتفهم، ولتعيد تقييم العالم من حولها. هي لا تكتفي بمشاهدة الأمور من بعيد، بل تتوجه نحو الأسئلة الكبرى، وتقرأ ما وراء النصوص، وتبحث عن المعاني في كل شيء. تعتبر القراءة جزءًا أساسيًا من مشروع وجودها، حيث تعيد اكتشاف ذاتها، وتنظم علاقتها بالعالم، وتواجه التناقضات من موقع الفهم بدلاً من الرفض الأعمى.

هي ليست متعالية كما يُشاع عنها، ولا هي معقدة أو تنفر من الحياة أو العائلة كما يعتقد البعض. على العكس، غالبًا ما تكون أكثر التزامًا بأسرتها ومستقبلها الشخصي والاجتماعي. بفضل قراءتها، تدرك مسؤولياتها بعمق. تفهم أن العطاء لا يعني الذوبان، وأن الحب لا يتطلب التضحية بالذات، وأن الحرية لا تعني الفوضى. تربط بين الثقافة والسلوك، وبين الفكر والممارسة، فلا تكون أسيرة للكتب ولا سجينة للعادات.

في البيئات الإفريقية والعربية على حد سواء، تواجه المثقفة تحديًا مضاعفًا: الأول مع الجهل، والثاني مع الصور النمطية. يُقال لها إنها غير مؤهلة للزواج لأنها تفكر كثيرًا، أو إنها صعبة لأنها تعبر عن أفكارها بوضوح وثقة. تخيف البعض لأنها لا تجيد التظاهر، وتقول ما تؤمن به دون تردد. لكنها في الواقع لا تبحث عن مواجهة، بل عن مساحة للحياة، للحوار، وللمشاركة.

هي تدرك أن المستقبل لا يُبنى على المجاملات، بل على الفهم العميق. تعرف أن الأسرة التي تُدار بالسلطة فقط ستنهار، وأن المجتمع الذي لا يستمع إلى نسائه محكوم عليه بالتخلف. لذا، تسعى بكل جهدها لتكون الجسر الذي يربط بين الواقع وما ينبغي أن يكون.

هذه المرأة ليست استثناءً، بل تمثل نموذجًا يستحق الفهم بدلاً من الخوف. ليست تهديدًا لأحد، بل فرصة للجميع. عندما تقرأ، لا تهرب من الواقع، بل تتفاعل معه بعمق. وعندما تفكر، لا ترفع نفسها فوق الآخرين، بل تُنير الطريق الذي يسير فيه الجميع، حتى أولئك الذين يسيئون فهمها.

في زمن مليء بالاضطرابات، تظل المرأة المثقفة رمزًا على أن الوعي لا يموت، وأن الكرامة لا تحتاج إلى ضجيج. تتقدم بصمت، لكنها تترك أثرًا لا يُنسى.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.