د.جمال الجاك
مقدمة: يُعدّ محمد حمدان دقلو (حميدتي) أحد أبرز الفاعلين في المشهد السياسي والعسكري السوداني في العقدين الأخيرين. فالنشأة البسيطة خارج المؤسسات العسكرية النظامية، والصعود السريع في بيئة مضطربة سياسيًّا وأمنيًّا، وقيادة قوات الدعم السريع؛ كلها عوامل تجعل من شخصيته نموذجًا غنيًا للتحليل النفسي، الاجتماعي لفهم دوافعه، وأنماط تفكيره، وطرائق ممارسته للسلطة والقيادة.
يستند هذا التحليل إلى مفاهيم رئيسية من فرويد، إريك فروم، ماسلو، وباندورا، إضافة إلى نظريات السمات القيادية.
العوامل التكوينية والنشأة المبكرة
وُلد حميدتي في بيئة قبلية رعوية، تقوم على قيم الشجاعة والثأر وحماية الجماعة والعمل الحرّ، وهي بيئة تسهم في تشكيل شخصية تميل إلى الاعتماد على النفوذ الشخصي بدل المؤسسات، البحث عن المكانة والأمان في مجتمع تنافسي مضطرب، وتنمية إدراك يعتبر أن الأمن يُنتزع بالقوة لا بالهيكلة المؤسسية.
ومن منظور التحليل الفرويدي، فإن (الأنا الأعلى) لديه يتشكّل وفق قيم الجماعة القبلية أكثر من القوانين الرسمية، ما يدفعه لسلوك يعتمد على الولاء والهيبة.
من التجارة إلى القيادة العسكرية
انتقال حميدتي من تجارة الإبل ومسارات البادية إلى قيادة قوة عسكرية ضخمة يشير إلى طموح مرتفع، مهارات تكيف اجتماعي بارزة، وقدرة على التقاط الفرص السياسية واستثمار اللحظة. ووفق نظرية باندورا في التعلم الاجتماعي، تعزز مثل هذه التجارب الإيمان بأن القوة المباشرة وسيلة ناجعة لتحقيق الأهداف.
سمات الشخصية القيادية لحميدتي
1/ الحزم والسيطرة: يمتاز بنمط قيادة مباشر، يبتعد عن البيروقراطية، ويركز على السيطرة الميدانية. وهو ما تصفه نظريات القيادة بأنه نموذج (الكاريزمي– القسري). 2/ البراغماتية: قراراته تتسم بالواقعية وتجنب الآيديولوجيا، وتركّز على المكاسب العملية. 3/ الولاء القبلي والشبكات الشخصية: يعتمد في قيادته على ولاءات تقليدية داخل قواته، ما يخلق علاقة أبوية حامية بينه وبين الأفراد، حماية مقابل طاعة، وهو نمط تحليله قريب من رؤية فروم للسلطة الأبوية. 4/ ازدواج الخطاب: يتأرجح خطابه بين العفوية وبساطة التعبير، وبين محاولة تبنّي لغة سياسية حديثة؛ ما يعكس صراعًا بين الذات الأصلية ومتطلبات الدور السياسي.
تحليل الشخصية عبر نماذج علم النفس
أولًا: منظور فرويد (الهو – الأنا – الأنا الأعلى)
-
الهو: اندفاع نحو القوة والبقاء والنفوذ.
-
الأنا: قدرة عالية على المناورة وتغيير التحالفات.
-
الأنا الأعلى: يرتبط بالقيم القبلية أكثر من المؤسسية. النتيجة: شخصية تحكمها دوافع أولية قوية، وتتكيف بمرونة مع الواقع السياسي المتغير.
ثانيًا: منظور ماسلو (هرم الحاجات): حقّق حاجات الأمان والهيبة والانتماء عبر التنظيم العسكري. يميل إلى تحقيق الذات عبر لعب دور سياسي واسع، وهذا يُفسر تحولات خطابه نحو مفاهيم “السلام” و”الاستقرار” و”التغيير”.
ثالثًا: منظور إريك فروم (السلطة والحرية): يمثل حميدتي مزيجًا من السلطة الحامية والنزعة التسلطية، خصوصًا في لحظات التهديد.
رابعًا: منظور باندورا (التعلم الاجتماعي): خبرته الميدانية رسخت لديه قناعة بأن القوة المباشرة أسرع من الشرعية، وأن الثقة تُكتسب عبر الدعم الشخصي لا عبر المؤسسات.
الديناميات النفسية في ممارسة القيادة
-
التكيف تحت الضغط: قدرة ملحوظة على اتخاذ قرار سريع في بيئات عالية التوتر.
-
إدارة الصورة: يعمل على إعادة تعريف هويته من “قائد ميداني” إلى “زعيم سياسي”.
-
علاقة القوة بالخوف: انعدام الثقة يجعله يعتمد على دائرة ضيقة ويُضفي أهمية قصوى على القوة كسند للنفوذ.
الخلاصة: تتشكل شخصية حميدتي من: بيئة قبلية تقليدية، مسار صعود غير مؤسسي، تجارب صراع ممتدة، وقدرة على التكيف والبراغماتية. وهو نموذج لقائد: كاريزمي – قَسري، براغماتي، يعتمد على الولاء الشخصي، ويسعى للانتقال من شرعية القوة إلى شرعية السياسة.
توازن شخصيته بين سطوة القوة وهشاشة القيادة، وبين الواقعية الميدانية ومحاولة بناء خطاب سياسي حديث.
وفي النهاية، فإن قراءة حميدتي من زاوية نفسية اجتماعية تتيح فهمًا أعمق لطبيعة القيادات التي تنشأ في بيئات النزاعات الهشّة، ولآليات الحكم والتأثير في بلد مثل السودان، حيث تتقاطع السلطة بالقوة، وتتداخل السياسة بالهوية.
#حميدتي #السودان #قوات_الدعم_السريع #تحليل_نفسي #القيادة_في_السودان #صراع_السودان #ملف_الهدف_الثقافي #علم_النفس_السياسي

Leave a Reply