تأبين أبو شورة.. رحيل شاعر امتلأت به الذاكرة السودانية

صحيفة الهدف

راما عبد الله

في الخامس عشر من نوفمبر 2025، طُويت صفحة مضيئة من صفحات الإبداع السوداني برحيل الشاعر محمد عبد القادر أبو شورة في مستشفى الملك سلمان بالرياض بعد علة قصيرة. غاب الجسد، لكن الصوت الذي ظل يشق أثير الإذاعات ووجدان السودانيين لعقود لم يغب؛ بقي يتردد في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور، وفي ذاكرة كل من عبرت حياته أغنية من أغنياته.

شاعر لا يعرف الخصام.. والعيون خريطة العاطفة

كان أبو شورة شاعرًا لا يكتفي بأن يكون جزءًا من المشهد الفني، بل كان ينساب إلى تفاصيل الناس، يرافق أفراحهم وحنينهم ومواسم شجنهم. أغنياته لم تكن مجرد كلمات تُقال، بل كانت صلاة وجدانية تتلى عند طرقات القلب الأولى. ومن هنا ارتبط اسمه بإبداعات خلدت في الذاكرة:

  • “حدق العيون ليك يا وطن” بصوت الموسيقار محمد وردي.

  • “أحلى الكلام” التي حملت صوته إلى الجمهور عبر صلاح بن البادية.

  • “عاطفة وحنان” التي أداها محمد ميرغني وكانت الأقرب إلى قلب الشاعر، حتى لقّبها بـ”المدللة”.

تنوعت تجربته بين العاطفة والوطن والاجتماع، وكتب ما يزيد على مئة أغنية تمثل امتدادًا لذائقة غنائية رفيعة. كان قادرًا على نسج الصورة العاطفية بمهارة، خصوصًا عبر نافذة العيون التي جعل منها خريطة للعاطفة السودانية. وبدت أغنيته “لغة العيون” في مهرجان الثقافة الثالث إعلانًا رسميًا لظهور شاعر يعرف كيف يحرس الكلمة ويُهدي اللحن نبرة الصدق.

الفن موقف.. والكلمة أمانة

ورغم قربه من الناس واحتفاء الجمهور به، ظلّ أبو شورة صريحًا في نظرته للفن. قال مرارًا: “كل قصائدي عاجباني“، لكنه أقر بأن بعض النصوص لها مكان خاص في وجدانه، وعلى رأسها “عاطفة وحنان يا ناس“.

لم يكن شاعرًا يكتب ويمضي؛ بل كان يؤمن بأن الفن موقف ومسؤولية. ولذلك لم يتردد في منع بعض الفنانين الشباب من ترديد أعماله حين رأى أنهم يشوهونها، مؤكدًا أن الكلمة أمانة، وأن النص يجب أن يُقدّم كما خرج من قلب صاحبه: نقيًا، كاملًا، بلا اجتزاء ولا تحريف. ومن بين ما أثار أسفه غياب المؤسسات الراعية للشعراء، وفي مقدمتها اتحاد شعراء السودان، الذي وصفه بـ”الغائب”، رغم حاجة المجتمع لمن يسهمون في صياغة وعيه وحفظ ذاكرته.

في عام 2016، أصدر ديوانه “أشعاري وأوتاري” الذي ضم أكثر من ستين نصًا بين الوطني والغنائي والرثائي. لم يكن الديوان مجرد كتاب، بل خزانة وجدانية لعصر كامل، وصورة لشاعر يرى في الكلمة وطنًا يلجأ إليه كلما ضاقت الدنيا.

هموم الوطن والرحيل في الغربة

قبل أن تعصف الح.رب بالسودان، انشغل أبو شورة بنصوص تُعالج هموم البلاد، مثل “سودان موشح بالسلام” عن دارفور، و”الشورة كيف” عن الديمقراطية، ونصوص أخرى تؤكد أنه شاعر لا ينفصل عن نبض وطنه ولا عن ألم الناس. كان يؤمن بأن الثقافة “روح الحياة وروح الديمقراطية وذاكرة الشعب“، وأن الفن قادر على أن يهزم الكراهية ويُوحّد القلوب.

ينتمي أبو شورة إلى جيل شعري لامع يضم مختار دفع الله والفاتح قدوري وحكمت محمد يس، بعد جيل الرواد إسحق الحلنقي وعبد المنعم عبد الحي ومبارك المغربي. وكان يستلهم من تجارب حسين بازرعة وإسماعيل حسن، كأنهما سلماه الشعلة ليواصل ركض القصيدة في فضاء السودان.

رحل أبو شورة في الرياض، لكن صوته ظل حيًا، وقصائده بقيت تصحو في الإذاعات، وفي ذاكرة المستمعين، وفي تلك اللحظات التي تبحث فيها الروح عمّا يوقظ جمالها. عاش شاعرًا بسيطًا وصادقًا، ورحل تاركًا تراثًا لا يصدأ ووجدانًا لا يموت.

  • #محمد_عبدالقادر_أبوشورة

  • #شاعر_السودان

  • #صوت_يغني_للكواكب

  • #حدق_العيون_ليك_ياوطن

  • #أغاني_سودانية_خالدة

  • #رحيل_شاعر

  • #ملف_الهدف_الثقافي

  • #راما_عبدالله

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.