من بلداتٍ منسيّة إلى شرارة احتجاجات “جيل زد 212” في المغرب

صحيفة الهدف

راما عبد الله
#ملف_الهدف_الاقتصادي

تحوّلت بلدات آيت عميرة والقليعة وسيدي بيبي، في جنوب المغرب، من مناطق شبه منسية إلى مركز اهتمام وطني ودولي، بعد اندلاع احتجاجات غير مسبوقة قادها ما يُعرف بـ”جيل زد 212″، مطالبةً بالعدالة الاجتماعية ومحاسبة المسؤولين عن تفاقم الفقر والبطالة.

الاحتجاجات، التي بلغت ذروتها عقب مقت.ل ثلاثة شبّان، أحدهم طالب في معهد السينما، خلال مواجهات مع قوات الدرك في بلدة القليعة، فجّرت موجة غضبٍ عارمة عبّرت عن الهوّة المتزايدة بين الشباب المهمّش والدولة. السلطات تحدّثت عن “محاولة سرقة أسلحة”، لكنّ السكان رأوا فيها مأساةً تعكس انسداد الأفق الاجتماعي والسياسي.

بلدات الهامش تغلي
تعيش هذه البلدات الزراعية، المحيطة بمدينة أكادير، حالة مزمنة من التهميش والفوارق المجالية. فرغم قربها من واحدة من أهم المدن السياحية والاقتصادية في البلاد، يعاني سكانها، وهم نحو 400 ألف نسمة، من ضعف الخدمات العمومية وغياب البنية التحتية وتفشّي البطالة، ما جعلها نموذجًا لما يسميه الخبراء “الحُكرة المجالية”؛ أي الإحساس بالاحتقار والإقصاء التنموي.

بين الفلاحة الرأسمالية والحرمان الاجتماعي
الاقتصاد المحلي يعتمد على الزراعة المكثفة وإنتاج الخضر والفواكه في ضيعاتٍ عصريةٍ تدرّ أرباحًا طائلة، لكنها لا تنعكس على سكان المنطقة. ويقول عبد الرزاق الحجري، مدير جمعية الهجرة والتنمية، إن البلدة “تعاني هشاشةً مركّبة تجمع بين الفقر والبطالة والعنف”، مشيرًا إلى أن النساء والعاملين المهاجرين هم الأكثر تضررًا.

أما الباحث الجغرافي خالد ألعيوض فيصف المنطقة بأنها “مثلث الفقر جنوب أكادير”، حيث تتقاطع الزراعة التصديرية مع الهشاشة الاجتماعية والهجرة غير النظامية. ويضيف أن الضيعات الكبرى “تفضّل اليد العاملة الرخيصة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء على الشباب المحلي”، وهو ما يفاقم شعور الإقصاء لدى أبناء المنطقة الذين يرون الثروة تمرّ أمامهم دون أن تمسّهم.

ويُقدّر عدد المهاجرين الأفارقة هناك بنحو عشرة آلاف عامل يعيشون في ظروف صعبة، بأجورٍ لا تتعدى 90 درهمًا (نحو 9 يورو) يوميًا ومن دون تغطية اجتماعية أو صحية.

السياسة في مأزق الثقة
تواجه الجماعات المحلية، التي يديرها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، انتقادات حادة بسبب ضعف التنمية وتركّز المصالح بيد فئة ضيقة. ويرى ألعيوض أن “العمل السياسي في المنطقة تحوّل إلى وسيلة لخدمة رجال الأعمال بدل المواطنين”، مشيرًا إلى أن فشل الأحزاب التقليدية جعل الشباب يبحث عن فضاءات احتجاج جديدة، في الشارع كما في الفضاء الرقمي.

من هم “جيل زد 212″؟
يشير مصطلح “جيل زد” إلى الفئة المولودة بين عامي 1995 و2012، وهي أول جيل نشأ بالكامل في عصر الإنترنت والهواتف الذكية. يتميّز بوعي رقمي مرتفع وتعلّقٍ بقيم الحرية والشفافية والمشاركة، لكنه يعيش خيبة أمل عميقة تجاه المؤسسات التقليدية.

في المغرب، يستخدم هذا الجيل المنصات الرقمية كفضاء احتجاجي وتنظيمي بعيدًا عن الأحزاب والنقابات، مطالبًا ليس فقط بتحسين الأوضاع المعيشية، بل أيضًا بالكرامة والعدالة والاعتراف.

وحراك “جيل زد 212″، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي للمغرب، أصبح تجسيدًا لغضب هذا الجيل من الفوارق الطبقية وغياب العدالة الاجتماعية، ومطالبه اليوم بلغت حدّ الدعوة إلى إقالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يُنظر إليه كرمزٍ لاحتكار الثروة والنفوذ.

احتجاج جيل ما بعد الأيديولوجيا
ما يميّز هذا الحراك أنه ليس نتاج أيديولوجيا أو تنظيم حزبي، بل وليد جيلٍ لا يعترف بالوسائط القديمة. هو جيل الإنترنت الذي وُلد متصلًا بالعالم، لكنه يعيش واقعًا منقطعًا عن وعوده. جيل يفكّر بلغاتٍ عالمية لكنه يصطدم بجدرانٍ محلية: غلاء، بطالة، وانسداد سياسي.

لا يرفع شعارات كبرى بقدر ما يرفع مطلب الكرامة والحق في الحلم. ينظّم احتجاجاته عبر الوسائط الرقمية، ويحوّل “الترند” إلى فعلٍ سياسي، والوسم إلى ساحة احتجاج افتراضية تسبق الواقع أحيانًا.

من الجنوب المغربي إلى العالم العربي
ما يحدث في آيت عميرة والقليعة وسيدي بيبي ليس حدثًا محليًا معزولًا، بل صدى لتمرّد جيلٍ عربي واسع في تونس والجزائر والسودان ولبنان. جيل كفر بالوعود الكبرى، ويطالب بـ”دولة شفافة” بدل “دولة الراعي”، جيل يعيش الثورة الرقمية كحقيقةٍ يومية لا كشعار، ويرى أن العدالة ليست وعدًا سياسيًا بل حقًّا تكنولوجيًا قابلًا للقياس والمحاسبة.

إنه جيل يعيد تعريف السياسة من الشارع إلى الشاشة، ومن الهامش إلى المركز، حيث يتحوّل الهاتف الذكي إلى أداة وعيٍ ومقاومةٍ في آنٍ واحد.

ما بعد الغضب
يرى خبراء الاجتماع أن ما يحدث اليوم نتيجة طبيعية لتراكم الاختلالات. ويحذّر د. ألعيوض من أن تجاهل المطالب قد يقود إلى انفجاراتٍ اجتماعية جديدة، في حين يعبّر آخرون عن تفاؤلٍ حذر، مشيرين إلى بوادر حوارٍ رقمي ومحلي بين الدولة وممثلي هذا الجيل.

“جيل زد 212” لا يطلب المستحيل، بل يبحث عن معنى للانتماء في زمنٍ فقدت فيه السياسة مصداقيتها. هو الجيل الذي يصرخ من هوامش البلاد:
“نحن هنا… لسنا رقمًا في الإحصاءات، بل مواطنون في زمن الخوارزميات.”

#جيل_زد_212
#المغرب
#العدالة_الاجتماعية
#الهدف
#ملف_الهدف_الاقتصادي
#الشباب
#الاحتجاجات
#آيت_عميرة
#القليعة
#سيدي_بيبي
#عزيز_أخنوش
#الهامش_المغربي
#الفقر
#البطالة
#المغرب_الجديد

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.