ثريا موسى
#ملف_المرأة_والمجتمع
في أسواق السودان وأزقته الشعبية، ما زال الدجل والشعوذة يمارسان سطوتهما تحت مسميات براقة: الفكي، ست الودع، زار، حجاب. ووراء هذه الأسماء تختبئ صناعة كاملة للخرافة، تتغذى على خوف النساء وأحلامهن بالحب أو الإنجاب أو الحماية من “العين”. كل وعد كاذب يُباع مقابل مال، وكل طقس غامض يُفرض كحلٍ لمشاكل الحياة، فيما النتيجة الحقيقية واحدة: استغلال النساء وإضعاف وعيهن.
الخطورة هنا ليست فقط في إضاعة المال أو خداع العقول، بل في ترسيخ ثقافة الاستسلام وقطع الطريق أمام التفكير النقدي. فالمرأة التي تُربط مصائرها بفتوى دجال أو تعويذة مشعوذة، تُسلب قدرتها على اتخاذ القرار الحر، وتُعاق عن التفاعل العقلاني مع واقعها.
وهذا تمامًا ما حذّر منه الفلكي الأمريكي كارل ساجان في كتابه “عالم تسكنه الشياطين”. رأى ساجان أن المجتمعات التي تسكنها الخرافة تُصبح سهلة التلاعب، وأن “الجهل ليس مجرد نقص معرفة، بل قوة خطيرة تستغلها السلطات وأصحاب النفوذ”. وأكد أن التفكير العلمي – المبني على الشك والتحقق – هو وحده الكفيل بفضح الأوهام وصيانة العقل.
في السودان، حيث تُستهدف النساء أكثر من غيرهن بخرافات “الفكي وست الودع”، تزداد الحاجة إلى ما سماه ساجان “صندوق أدوات الشك”: التساؤل قبل التصديق، المطالبة بالدليل، والاعتماد على مصادر المعرفة الموثوقة. هذه الأدوات ليست رفاهية، بل وسيلة بقاء في مجتمع تتنازع فيه القوى بين العقل والوهم.
إن نشر الوعي لا يتم إلا عبر التعليم أولًا، وتوسيع الأفق بالثقافة والمعرفة. فالمرأة المتعلمة أقل عرضة للدجل، وأكثر قدرة على نقل قيم التفكير النقدي إلى أسرتها ومجتمعها. وهنا يأتي دور المنظمات النسوية والقوى المدنية الواعية: محاربة الخرافة لا بالشتم أو السخرية، بل ببناء عقل جمعي قادر على المقاومة.
في النهاية، لن تُهزم الشعوذة بالفتاوى أو القوانين وحدها، بل بامرأة تعرف قيمتها، تمتلك أدوات النقد، وترى في العلم لا تهديدًا لمعتقداتها، بل شمعة تضيء لتنير الطريق.

Leave a Reply