الحرب والتعليم .. جيل مهدد بالضياع

صحيفة الهدف

بقلم : محمد الطريفي

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 أصبح التعليم من أكثر القطاعات تضررًا، حيث أدت العمليات العسكرية والنزوح وانهيار المؤسسات إلى شلل شبه كامل في النظام التعليمي. وتشير تقارير اليونسكو لعام 2025 إلى أن عدد الأطفال في سن الدراسة يبلغ نحو 19 مليونًا، لكن ما يقارب 70% منهم أي حوالي 13 إلى 14 مليون طفل أصبحوا خارج مقاعد التعليم، فيما قدّر عدد المتسربين منذ بداية الحرب بنحو 17 مليون طفل، وهو رقم ينذر بضياع جيل كامل

لم يتوقف الأمر عند غياب الطلاب فقط، بل انهارت البنية التحتية نفسها، إذ تعرض أكثر من 10 آلاف مدرسة للتدمير الكلي أو الجزئي أو تحولت إلى ملاجئ للنازحين، وأغلقت ما بين 70 إلى 80% من المؤسسات التعليمية أبوابها. كما تدهورت أوضاع المعلمين، فحوالي 80% منهم لم يتقاضوا رواتبهم بانتظام منذ 2023، ما أجبر كثيرين على النزوح أو ترك المهنة والاتجاة إلى أعمال أخرى في الأسواق السودانية مفارقين لمهنتهم الأساسية لتوفير احتياجات عائلاتهم ، فيما تعرضت المرافق التعليمية من مكتبات ومستودعات الكتب لعمليات حرق وتخريب وسرقة أدت إلى عجز كبير في الكتب والمراجع وغلاء اسعارها في الأسواق التجارية مما له الأثر المباشر على ترك الكثيرين للتعليم نتيجة ذلك إلى جانب ارتفاع الرسوم الدراسية بنسبة 200٪ في بعض المدارس والجامعات الدراسة أما تعليم الفتيات كان الأكثر هشاشة في مواجهة هذه الظروف، إذ أجبرت الحرب كثيرًا منهن على ترك الدراسة بسبب الإغلاق والخوف من المخاطر الأمنية، بينما دفعت الظروف الاقتصادية العديد من الأسر إلى تزويج بناتها مبكرًا كحل لتخفيف الأعباء المالية ، وذلك ما يحدث فجوة بين الذكور والإناث في فرص التعليم والتوظيف مستقبلاً .
هذه الأوضاع تنذر بارتفاع نسبة الأمية من 34% إلى أكثر من 45% في السنوات المقبلة بحسب اليونسكو، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بزيادة البطالة والفقر وانتشار الجريمة والتطرف والتخلف الاجتماعي مما يؤكد على أن تداعيات الحرب على التعليم ليست آنية فقط بل طويلة المدى أيضًا، فحرمان 13 مليون طفل من حقهم في التعلم قد يعني خسارة تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي مستقبلًا، إضافة إلى جيل محروم من فرص التنمية والاستقرار، الأمر الذي يهدد السودان سياسيًا واجتماعيًا لعقود قادمة.

أدت سياسات سلطة الأمر الواقع إلى تفاقم هذه الأزمة بشكل مباشر بإدخالها مسألة التعليم في الصراع السياسي العسكري بإعلان امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرة الجيش غير مكترثة لمستقبل الطلاب في مناطق سيطرة الطرف الآخر ، ومضت في أكثر من ذلك بفرض وزارة التربية والتعليم عبر هياكلها قرارات زيادة الرسوم الدراسية في جميع المراحل الدراسية مما أدى إلى مغادرة آلاف الطلاب لمقاعدهم الدراسية.
وبالرغم مما سبق تلوح في الأفق بعض المبادرات الدولية كأمل جزئي ، حيث أطلقت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والتعليم العالمية -اليونسكو -في 21أغسطس 2025 خطة انتقالية حتى 2027 بتمويل يقارب 400 مليون دولار تهدف إلى إعادة 80% من الأطفال المتسربين إلى التعليم، وإنشاء مراكز للتعليم البديل والتدريب المهني وإعادة تأهيل المدارس المتضررة. وقد وجدت المبادرة ترحيب عالي من المعلمين بهذه الخطوة حيث أعلن تجمع المعلمين السودانيين وتجمع المعلمين الديمقراطيين في بيانات لهما إستعداد ورغبة المعلمين للعمل لإنجاح الحملة وشددا على أن الشرط الأساسي لإنجاحها هو وقف الحرب لتذليل العقبات اللوجستية والفنية لضمان تغطية الحملة جميع المناطق التي تستهدفها الحملة .

أن الحرب في السودان لا تقتل فقط بالسلاح، بل بالجهل أيضًا. وإن كان الأطفال اليوم ضحايا مباشرين لانهيار التعليم، فإن الوطن بأكمله سيكون غدًا ضحية غيابهم عن مقاعد الدراسة. إن إنقاذ ما تبقى من التعليم لم يعد خيارًا ثانويًا، بل معركة بقاء أساسية تستوجب الاستعداد لها ، لأن مستقبل السودان بيد هذه الأجيال ولأن التقدم والتطور يبدأ من المدرسة ، فلا كرامة ولا مجد وتقدم لأمة بدون تعليم .

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.