
بقلم: م. منعم مختار
تقدير وعرفان
قبل الخوض في صلب الموضوع، لا بد من الإشارة إلى الجهود القيمة التي بذلها الأستاذ الباشمهندس صديق أبكر، الذي لم يبخل بنصائحه الفنية الثمينة وتوجيهاته الخبيرة في إعداد هذه الورقة. فخبرته الواسعة في المجال الصناعي وإدارته الناجحة للعديد من المشاريع القومية جعلت آراءه مرجعاً لا غنى عنه في أي نقاش جاد حول التنمية الصناعية في السودان.
(الحلقة الأولى)
المقدمة: الاستقلال السياسي دون تحرر اقتصادي
لا شك أنه بنهاية العام 1955م وبداية العام 1956م، أنجزت الحركة الوطنية السودانية الاستقلال السياسي، وخرج المستعمر غير مأسوفًا عليه. بيد أن ذلك الإنجاز، وحتى يومنا هذا، لم يتعدَّ مرحلة رفع العلم والتغني بأناشيد الاستقلال، مثل “يا غريب امشي لبلدك”، وبعض الندوات السياسية احتفالًا بتلك الذكرى.
لكن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية… إلخ، ظلت تراوح مكانها، بل تفاقمت خلال فترة حكم التيار المتأسلم، فتقلصت مساحة البلاد، وتخرب الاقتصاد، وتعرَّضت الوحدة الوطنية للتهديد. وازداد الأمر سوءًا باندلاع حرب 15 أبريل. نعود إلى البداية لنقول: إن إنجاز المهام الوطنية (اقتصاديًا، اجتماعيًا، سياسيًا، ثقافيًا) لا يتم بالتمني ولا بالقرارات الفوقية.
الاقتصاد السوداني بين الموارد الهائلة والتخلف الصناعي:
الشاهد أن طبيعة الاقتصاد السوداني تقليدية، تعتمد على منتجات الزراعة والرعي، مع وجود موارد طبيعية هائلة، مثل:
أ. أراضٍ زراعية خصبة.
ب. ثروة حيوانية ضخمة.
ت. مياه نهر النيل.
لكن الاعتماد على الزراعة والرعي بشكل خام أولي دون تصنيع يجعل الاقتصاد:
أ. ضعيفًا وهشًا أمام تقلبات الجو.
ب. عرضةً لانخفاض أسعار السلع الأولية (Raw Materials) عالميًا.
ت. مقيدًا بضعف البنية التحتية والخدمات اللوجستية.
الحل: (التصنيع لتحقيق القيمة المضافة): هنا نستطيع القول إن تحويل منتجاتنا الزراعية والحيوانية إلى منتجات ذات قيمة مضافة (مثل: اللحوم، الألبان، الصوف، الجلود، الزيوت النباتية، المعلبات، الأعلاف، الأقمشة… إلخ) يمكن أن ينقلنا إلى مرحلة التصنيع. وبالتالي، يمكن إنشاء عدة صناعات تعتمد على:
أ. القطن → صناعة الغزل والنسيج.
ب. الفول، السمسم، الصمغ العربي، البلح، الفواكه، الكركدي… إلخ → صناعات غذائية وطبية.
فوائد التحول الصناعي:
أ. خلق وظائف جديدة → تحسين مستوى المعيشة وتقليل البطالة والفقر.
ب. زيادة كمية ونوعية الصادرات → تقليل الواردات (تحقيق الاكتفاء الذاتي) → توفير العملة الصعبة.
ت. تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي → تقديم خدمات أفضل في التعليم والصحة والخدمات العامة.
ث. تقوية الطبقة الوسطى → دعم الطبقات الضعيفة بشكل فاعل.
ج. تعزيز التجانس الثقافي والاجتماعي → فتح المجال للاستثمار المحلي والأجنبي.
التحديات وكيفية تجاوزها: لكن لا شك أن هذا التحوُّل يواجه تحديات، مثل:
أ. ضعف البنية التحتية (طرق، كهرباء، مياه).
ب. نقص التمويل والاستثمار.
ت. الفساد الإداري.
ث. نقص الخبرات الفنية (ضرورة تدريب المهندسين والعمال).
لكنني أقول وبثقة عالية: إن كل هذه المعوقات يمكن تجاوزها متى ما توفرت:
أ. الهمة والإرادة السياسية الوطنية.
ب. خطة عمل واضحة.
ت. التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص.
خاتمة: نحو استراتيجية صناعية وطنية: إن صناعة الغزل والنسيج ليست مجرد نموذج، بل خطوة أولى نحو تنويع الاقتصاد وبناء قاعدة إنتاجية متينة. لكن تحقيق ذلك يتطلب:
أ. وقف الحرب فورًا لأنها تدمر كل فرص التنمية.
ب. إصلاح النظام التعليمي لتأهيل الكوادر الفنية.
ت. تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في القطاع الصناعي.
(لا مستقبل للسودان دون صناعة قوية… فلنبدأ اليوم!).
يتبع ،،،،،،
Leave a Reply