ورقة مقدمة لندوة التنسيقية النسوية الموحدة لوقف الحرب حول:

صحيفة الهدف

*الكوارث المنسية في إقليم كردفان.. الموت بالجوع والمرض*

بتاريخ 10 أغسطس/آب 2025م

*ب. صديق تاور*

تعيش مدن كادقلي والدلنج والدبيبات بولاية جنوب كردفان، وأبو زبد والنهود بغرب كردفان، أوضاعاً إنسانية مأساوية لا يمكن تصورها، في ظل اقتراب الحرب من منتصف العام الثالث، دون وضوح أفق منظور لوقفها، فقد تعرضت المناطق المذكورة لتأثيرات الحرب منذ اندلاعها، في 15 أبريل 2023م ولا تزال،  بدرجات متفاوتة، ولكنها قاسية جداً على المواطنين العزل، الذين ظلوا يتحملون تبعات المواجهات العسكرية والكر والفر بين الأطراف المتقاتلة غصباً عنهم.

لقد لجأ الآلاف من المواطنين إلى جنوب كردفان، خاصة مدينتي كادقلي والدلنج وما حولهما، بعد اندلاع القتال في الخرطوم والأبيض، طلباً للأمان، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مع المواطنين المقيمين أصلاً، في مسرح عمليات مغلق من كل الاتجاهات.

توزعت الأطراف المتحاربة السيطرة على الطرق الرئيسة المؤدية للمنطقة، من طريق الصادرات بين أمدرمان والأبيض، وطريق الأبيض- الدلنج، وحتى طريق الدلنج- كادقلي، وبالتالي أصبحت حركة المواطنين والبضائع والأدوية والوقود والمساعدات الإنسانية غير ممكنة من الناحية العملية.

*▪️أحوال مدينة كادقلي*

انعزلت مدينة كادقلي لعامين كاملين، عن مراكز الإمداد شمالاً بسبب التوترات الأمنية على طريق الدلنج- كادقلي، كما تأثر النشاط الزراعي بفعل الحصار الذي فرضته حركة الحلو، وقصفها للمدينة بين الحين والآخر. وقد كانت هناك منافذ حركة تجارية بديلة محدودة، تسمح بدخول بعض البضائع والمواد الغذائية، جنوباً وغرباً، ولكنها حركة محدودة ومكلفة وغير مستدامة.

مع تطاول أمد الحرب وتصاعد المواجهات،  أصبحت الحركة شبه مشلولة، والمدينة محاصرة من كل الاتجاهات.

ومع تكدس المواطنين من القرى المحيطة، بسبب انعدام الأمن، ازداد الضغط على المواد الغذائية المحدودة والخدمات الصحية الضعيفة أساسًا، فارتفعت أسعار المواد الغذائية بمستوى فوق طاقة المواطنين، وانعدمت الأدوية الأساسية من المستشفيات، ودخلت المنطقة في أزمة إنسانية كبيرة.

زاد الأمر سوءاً الإجراءات الأمنية التي اتخذتها حكومة الولاية، ضد المتطوعين الإنسانيين والمنظمات، حيث تعرض هؤلاء للاعتقال والتهديد والمنع من القيام بأى عمل إنساني لصالح المواطنين.

ومن جهة أخرى تتحكم الأجهزة الأمنية في حركة المواد الغذائية، بشكل يعيق وصولها للمواطنين بسهولة، وهو ما خلق حالة الاحتقان التي تسببت في الانفلات الأمني والتعدي على الأسواق مؤخراً.

*▪️الواقع الماثل يقدم حقائق صادمة جداً:*

– لليوم الخامس على التوالي تنعدم الذرة عن الأسواق.

-الجوع يحاصر الناس من كل جانب، مما خلق حالة نزوح جماعي في أوضاع مأساوية لا يمكن تصورها.. سيراً على الأقدام لمسافات بعيدة، تحت المطر، كبار سن وأطفال ونساء.. بعضهم اتجه جنوباً وغرباً، والبعض الآخر شمالاً بحثاً عن أبسط مقومات الحياة.

-المستشفيات خارج الخدمة.

-الاتصالات متوقفة والوسيلة الوحيدة للاتصال، هي الإستارلنك.

▪️مدينة الدلنج:

رغم تأثرها بالمواجهات العسكرية، داخل المدينة أو في ضواحيها، ظلت الطرق المؤدية لمدينة الدلنج بحكم موقعها، سالكة أمام حركة المواطنين والبضائع لأكثر من عام، الأمر الذى جعلها ملاذاً للمواطنين من المناطق الأخرى التي تعرضت لقتال، مثل الأبيض وهبيلا والدبيبات والكرقل. فازدادت الكثافة السكانية،  وازداد تبعاً لذلك الضغط على المخزون الغذائي والخدمات الصحية والمياه وغيرها.

مع تصعيد العمليات العسكرية جنوبي مدينة الأبيض وغربها، فيما عرف بمتحرك الصياد، انهار الوضع الأمني في المنطقة شمال وغرب الدلنج، مما أدى لانقطاع حركة المواطنين والبضائع التي كانت تأتي عبر الأبيض أو النهود وأبو زبد، وصارت مدينة الدلنج في حال من الحصار والعزلة، أدى بعد حوالي الستة أشهر،  لشح في المواد الغذائية والدواء، تصل درجة الإنعدام.

جراء هذا الوضع اضطرت أعداد غفيرة من المواطنين، للبحث عن مناطق أخرى تتوفر فيها سبل الحياة والأمن، تبدأ رحلة البحث هذه سيراً على الأقدام ل 45 كيلومتراً حتى مدينة هبيلا، ثم استقلال الدواب أو التراكتورات حتى بلدة تنقلي، أم دولو و إيدا، ثم من هناك إلى مدينة الليري وتلودي وأبوجبيهة وحتى كوستي على النيل الأبيض.

بين هؤلاء الهائمين على وجوههم، عجزة ونساء وأطفال ومرضى ومرضعات.

اجتهد الشباب المتطوعون في المطابخ الجماعية (التكايا)، لتخفيف المأساة الإنسانية الكبيرة، بجمع التبرعات وتوفير بعض الوجبات،  إلا أن ذلك أصبح غير ممكناً، في ظل حصار المدينة وعدم دخول أية بضائع أو إغاثات.

*▪️الدبيبات وأبو زبد:*

البلدات جنوب الأبيض كانت ملاذاً لآلاف الأسر النازحة من مدينة هبيلا وأريافها، حيث استقروا في الحاجز والحمادي وكازقيل والدبكر والدبيبات وغيرها، ولكنها تأثرت بعمليات الكر والفر بين الجيش والدعم السريع، وبقصف الطيران أيضاً.

كما تأثرت حركة البضائع بانقطاع الطرق عبر الأبيض والنهود.

حالياً يتناثر عشرات آلاف المواطنين تحت الأشجار، والأمطار بلا مأوى بأطفالهم وكهولهم ونسائهم، وبلا غذاء أو خدمات طبية. وقد انتشر وباء الكوليرا بأعداد كبيرة.

*▪️النهود والخوي:*

-الوضع الصحي هو الأسوأ، وباء الكوليرا يفتك بالمواطنين بلا رحمة، الإصابات تجاوزت ال 300 إصابة.

-عدد حالات الوفاة اليومية تتراوح بين 25 و30 في مدينة النهود وحدها، وعلى مستوى المحليات (أبو زبد،  الخوي، ود بنده وغبيش) يصل إجمالي الوفيات بين 55 و60 حالة يومياً بحسب التقارير اليومية.

-لا تتوفر أي معينات طبية حيث خرج المستشفى الوحيد عن الخدمة تماماً .

-لا توجد محاليل وريدية ولا دربات أو حقن أو شاش أو حتى حبوب البندول.

-ظهرت أمراض جديدة، حساسيات لأول مرة.

-كما لايوجد تدخل من أي جهة رسمية أو شعبية، محلية أو خارجية.

العمليات العسكرية دفعت مواطني الأرياف للتجمع في معسكرات مثل ود الحليو وجبارة وودبقاري بمناطق عيال ركاب وحلة بخيت وحلة صافي، في ظروف إنسانية لا قبل لهم بها.

عشرات الأسر نزحت لأم درمان بعد أن فقدت رب الأسرة في المواجهات، وتعيش أوضاعاً إنسانية قاسية.

مغادرة المنطقة من الأمور شبه المستحيلة بسبب كلفة تذكرة السفر التعجيزية، مليار للفرد.

هذه كارثة إنسانية كبيرة تعتبر في عداد النسيان، يتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والجنائية أطراف الحرب العبثية الثلاثة، الجيش والدعم السريع وحركة الحلو، حيث يدفع المواطنون ثمن قتال لا يد لهم فيه ولا مصلحة.

*▪️المطلوب لتدارك هذا الواقع المظلم:*

1- هدنة إنسانية عاجلة لانقاذ الأرواح التي تُزهق بسبب الحصار والجوع وإنعدام الدواء.

2- إدخال المواد الإغاثية الضرورية بشكل عاجل، عن طريق الاتفاق على ممرات آمنة أو عن طريق الإسقاط الجوي.

3- إنقاذ مواطني غرب كردفان من الكارثة الصحية، بتدخل عاجل في المناطق المتأثرة خاصة النهود والخوي وأبو زبد، وعون إنساني في مناطق تجمعات المواطنين

5- شمل الأسر التي نزحت لأمدرمان من محلية النهود بالمساعدات الإنسانية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.