
د. أشرف مبارك
#ملف_الهدف_الثقافي
تابعت في الفترة الماضية سلسلة من المقالات حول الذكاء الاصطناعي والكتابة الأدبية. ومع تسارع استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج النصوص الأدبية، طرحت في نفسي تساؤلات حول الجوانب الأخلاقية والقانونية لهذا الاستخدام، من حيث المسؤولية، والإفصاح، وحدود الملكية الفكرية. هذا ما دفعني إلى البحث، وكانت هذه الخلاصة.
الإبداع الإنساني مقابل الصنعة الآلية
الكتابة بالنسبة للإنسان ليست مجرد تجميع كلمات وتشكيل جمل، بل هي حالة نابعة من تجربة داخلية عميقة. أما النصّ الآلي، فهو نتاج خوارزميات خالٍ من الألم، والدهشة، والصدق الشخصي.
الملكية الفكرية: تباين عالمي
لا تزال القوانين حول العالم مترددة في الاعتراف بالنصوص المنتجة بالذكاء الاصطناعي كأعمال محمية بالكامل.
-
في الولايات المتحدة، أصدر مكتب حقوق الطبع والنشر (US Copyright Office) توجيهات عام 2023 تؤكد أن الأعمال التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي بالكامل دون تدخل إبداعي بشري لا تُحظى بالحماية القانونية.
-
في بريطانيا، ينصّ قانون حقوق الطبع لعام 1988 على أن المؤلف هو من أعدّ الترتيبات اللازمة للعمل، مما قد يتيح حماية الأعمال إذا وُجد توجيه بشري جوهري.
-
في الصين، وفي سابقة قانونية (قضية شينزن ضد شنغهاي ينغشون)، أقرت المحكمة بإمكانية حماية النص المنتج بالذكاء الاصطناعي، شريطة أن يستوفي معايير إبداعية تشمل تدخلًا بشريًا في تحديد المعايير أو اتخاذ القرارات الإبداعية.
بيانات التدريب: قنبلة موقوتة
تُدرّب نماذج الذكاء الاصطناعي على مليارات الكلمات المُجمّعة من الإنترنت، بما في ذلك نصوص محمية بحقوق النشر، غالبًا دون إذن.
في الولايات المتحدة، رُفعت دعاوى (حتى عام 2023) ضد شركات مثل Stability AI وOpenAI، يتّهمها المؤلفون باستخدام بياناتهم دون موافقة، معتبرين أن النصوص الناتجة هي أعمال مشتقة غير مرخصة.
في المقابل، تعتمد الشركات على مبدأ “الاستخدام العادل”، كما حدث في قضية جمعية المؤلفين ضد غوغل، مع فارق أن غوغل لم تُنتج نصوصًا جديدة، بينما الذكاء الاصطناعي يفعل.
المسؤولية على من تقع؟
في أغلب الأنظمة القانونية، المستخدم هو المسؤول الأول عن أي انتهاك؛ سواء بنشر نص مشابه لعمل محمي، أو بإحداث إساءة أو ضرر.
الشركات المطوّرة تحمي نفسها من خلال شروط الاستخدام، التي تُحمّل المستخدم كامل المسؤولية.
مع ذلك، ظهرت دعاوى (مثل قضية أندرسن ضد OpenAI) تحاول إثبات أن المخرجات هي أعمال مشتقة من نصوص محددة. لكن إثبات ذلك صعب، لأن الذكاء الاصطناعي لا ينسخ، بل يُركّب ويُولّد.
الإفصاح واجب أخلاقي
من الأخلاق الأدبية الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج النصوص، خاصةً عند نسبها إلى كاتب بشري.
وقد بدأت بعض المنصات الأدبية في طلب ذلك رسميًا، لتفادي تضليل القارئ والادّعاء بأصالة زائفة.
التشريعات غائبة في بلادنا
معظم الدول العربية، بما فيها السودان، لا تزال تعمل بقوانين تقليدية لحقوق النشر، ولم تُحدّث تشريعاتها لمواكبة التحولات العميقة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي.
في الختام:
الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنه ليس مبدعًا. والمشكلة لا تكمن في استخدامه، بل في نسبة ما يُنتجه إلى الإنسان دون مراجعة أو إفصاح. وفي ظل غياب الوضوح القانوني، وتنامي التحديات الأخلاقية، يبقى الضمير والمسؤولية هما البوصلة الحقيقية، في زمن تتشارك فيه الموهبة مع الآلة.
Leave a Reply