ضيفة العدد: ماندي أبوشوك.. من الخرطوم إلى سباق رئاسة زيورخ

  • المرأة السودانية من صنعت ماضينا وستصنع مستقبل أجيالنا
  • التغيير يصنع الحياة وزيورخ لجميع سكانها
  • علينا كلنا أن نخوض معركة التغيير
  • أفكر في المدن السودانية التي تعرضت للتدمير… كالفاشر

في الثامن من مارس 2026، ستشهد مدينة زيورخ السويسرية انتخابات حاسمة لحكومة المدينة، ستختار بدورها رئيساً لها. هذه الانتخابات تكتسب أهمية استثنائية للعرب والسودانيين والأفارقة على حد سواء، لكونها المرة الأولى في تاريخ زيورخ، أكبر مدن سويسرا وعاصمتها الاقتصادية، التي تتقدم فيها امرأة من أصول سودانية وعربية وإفريقية بترشيح نفسها ليس فقط لشغل مقعد في حكومة زيورخ، بل لرئاسة هذه الحكومة أيضاً.

ملف”الهدف” للمرأة والمجتمع، التقى ماندي أبوشوك، الشابة السودانية المولودة في الخرطوم بتاريخ 29 سبتمبر 1989، لتسليط الضوء على هذه الانتخابات التاريخية، والرسالة التي ترغب ماندي في إيصالها إلى أهلها في السودان والوطن العربي وإفريقيا.

حوار: المحرر

س: ماندي أبوشوك، ما الذي يدفعكِ لخوض هذه الانتخابات؟ كثيرون ربما يرون في قراركِ هذا مغامرةً أو على الأقل تحدياً لمجتمع زيورخ؟

ج: أولاً، شكري وتقديري لملف “الهدف” للمرأة والمجتمع لاهتمامه بترشحي. واقعياً، قرار خوض هذه الانتخابات هو مغامرة وتحدٍ بالفعل. مغامرة لكوني أول امرأة، وأول شخص من أصول أجنبية، وأول إنسان عربي إفريقي مسلم يجد في نفسه الجرأة والشجاعة لمواجهة الناخبين في مدينة زيورخ بحقيقة أن 35% من سكان هذه المدينة هم من أصول أجنبية، ولا يوجد من يمثلهم في جهازها التنفيذي. هذه الجرأة تُعتبر أيضًا تحديًا لمجتمع زيورخ، المدينة التي تُعتبر تاريخيًا معقلًا لليسار.

ترشحي أيضًا ذو علاقة وثيقة بنشأتي وتربيتي. فحين وُلدتُ في الخُرْطُوم، كان والدي نزيل سجون النظام الدكتاتوري لمعارضته الانقلاب العسكري في 30 يونيو 1989. وعليه، ومنذ ذلك التاريخ، ارتبطت حياتي بالسياسة التي طبعت حياة عائلتي وأصبحت ولا تزال شأنًا يوميًا. تعلمتُ من تلك الحياة العائلية ألا أقف متفرجة على الحياة من حولي، بل لابد أن أشارك في صنع الحياة. ترشحي لمنصب في حكومة زيورخ ولرئاسة هذه الحكومة هو رسالة للسويسريين في زيورخ بأن زيورخ لجميع سكانها، وهو أيضًا رسالة للسودانيات والسودانيين بأن التغيير يصنع الحياة. لا يكفي أن نتفرج على الآخرين وأن نُقيّم تصرفاتهم ومواقفهم، بل علينا كلنا أن نخوض معركة التغيير.

س: كيف تدرجت خطواتكِ في السياسة حتى وصلتِ لقرار الترشح؟

ج: في عامي 2019 و2020، شهدت سويسرا تظاهرات ضخمة للنساء للمطالبة بالمساواة في الأجور وغيرها من مطالب النساء. ومن خلال هذه التظاهرات، برزت الحاجة لتشكيل برلمان نسوي. رشحتني إحدى زميلاتي لخوض الانتخابات عن مدينة زيورخ، وكنتُ مترددة لأنني كنتُ في مرحلة إعداد رسالة الماجستير. غير أن زميلاتي ومعارفي أصروا على وجود اسمي ضمن قائمة المرشحات. كانت المفاجأة فوزي ضمن ممثلات مدينة زيورخ.

بعدها، انخرطتُ بشكل واسع في النشاطات النسوية وفي نشاطات منظمات مقاومة التمييز العنصري، لأنني اقتنعتُ بأن هناك إمكانية حقيقية لإحداث تغيرات إيجابية في المجتمع السويسري. لم أكن عضوة في أي حزب رغم العروض الكثيرة التي قُدمت لي. وجدتُ من خلال تجربتي أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يحمل تاريخًا مشرفًا في الدفاع عن قضايا المرأة ومقاومة التمييز العنصري، فانضممتُ لفرع الحزب في مجال سكني (الدائرة التاسعة). وهم من أقنعوني بالترشح في انتخابات برلمان زيورخ، حيث نلتُ عضوية البرلمان رغم أن اسمي لم يكن في مقدمة لائحة مرشحي الحزب. وبخلو منصب رئيسة حكومة زيورخ مطلع هذا العام، اتصل بي الكثيرون طالبين مني الترشح لملء هذا المنصب.

س: ما هي الخطوات التالية؟

ج: طبيعة النظام الانتخابي في زيورخ وسويسرا تقوم على مبدأ أن يقدم أي حزب مرشحيه لأي موقع تشريعي أو تنفيذي من خلال انتخابات داخلية بين المرشحين. ترشح أربعة أعضاء في الحزب لدخول الحكومة، وعلى ممثلي قاعدة الحزب في زيورخ اختيار اثنين منهم (حصّة الاشتراكيين الديمقراطيين في حكومة زيورخ موقعان من أصل 8 مقاعد تشكل حكومة المدينة، عادةً ما يكون أحدها الرئيس). عادةً ما يقوم المرشحون بعرض برامجهم ودوافع ترشحهم على عضوية الحزب في جلسات مغلقة وعلى الجمهور في جلسات مفتوحة، وقد اجتزنا هذه المرحلة. والآن أمامنا اجتماع ممثلي فروع الحزب في المدينة في 26 يونيو لاختيار مرشحيه الاثنين من بين الأربعة الذين ترشحوا. من يختارهم هذا الاجتماع سيتم انتخابهم للحكومة.

س: إذا تم انتخابكِ للحكومة ورئاسة المدينة، ما الذي تفكرين فيه فيما يتعلق بوطنكِ الثاني السودان؟

ج: إذا تم اختياري رئيسةً للحكومة، فإن أحد مهامي التي تقع ضمن دائرة اختصاصاتي هو تقديم مشاريع تعاون بين زيورخ ومدن أخرى في العالم. أفكر في مدننا السودانية التي تعرضت للتدمير والتخريب، وفي مقدمة هذه المدن الفاشر.

س: أصولكِ الأسرية تعود إلى مدني ومروي.. كيف استقبلتِ ما حدث لمدني بعد دخول الدعم السريع؟

ج: لم أستقبل ما حدث بل عشته بكل جوارحي. فقد اضطر أقربائي لمغادرة المدينة التي وُلدوا وتربوا فيها إلى المنافي البعيدة داخل وخارج السودان. وفقد البعض الآخر ممن آثروا البقاء في مدني حياتهم لانعدام أبسط مقومات الحياة في المدينة. الحرب، مهما كانت دوافعها، تتسبب في كوارث إنسانية فظيعة يدفع ثمنها دائمًا المواطنون المدنيون بالدرجة الأولى.

س: رسالتكِ لشابات وشباب السودان وللمرأة السودانية على وجه الخصوص؟

ج: المرأة السودانية صاحبة تاريخ عريق يشهد عليه تاريخ السودان والعالم. هي الكنداكات اللواتي حَكَمْنَ وادي النيل وصَنَعْنَ حضارة عظيمة. وهن كنداكات الحاضر اللواتي صَنَعْنَ وقَدْنَ أعظم الثورات الشعبية في التاريخ المعاصر، ثورة ديسمبر 2018. وهن كنداكات حاضرنا اللواتي يتحملن العبء الأكبر في قيادة أسرهن ومجتمعاتهن لمقاومة الحرب العبثية المفروضة على الشعب السوداني.

رسالتي لأخواتي وأمهاتي أن لا يفقدن الثقة في أنفسهن، فهن من صنع ماضينا وسيصنعن مستقبل أجيالنا. المرأة السودانية التي نالت حق التصويت في 1954 ودخلت أول برلمان منتخب في 1965، عليها أن تتذكر أن بلدًا كسويسرا لم تنل المرأة فيه حق الترشيح والانتخاب إلا في سنة 1971.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.