حتى لا ننسى: كمالا إبراهيم إسحاق.. أيقونة تشكيلية سودانية قاسمت درويش وهج الجائزة العالمية

تُعدّ الفنانة التشكيلية السودانية كمالا إبراهيم إسحاق، المولودة في أم درمان عام 1939، قامةً فنيةً فريدةً جمعت بين عوالمَ شتى. اسمها المستلهم من الهند، يوشمُ فنّها المتجذّرَ في عمق التراث السوداني، من زخارفَ وأشكالٍ خطتها أناملُ النساء المحليّات. نهلت من أكاديمية بريطانيا، وصهرت روحانية الشاعر الإنجليزي ويليام بليك بعبق جلسات “الزار” السودانية، لتنسجَ لوحاتٍ آسرةً تتداخلُ فيها النساءُ بالأشجار، جاذبةً اهتماماً عالمياً توّجته جائزة الأمير كلاوس في هولندا عام 2019.

هذه الجائزة الرفيعة، التي تُعدّ اعترافًا بمسيرةٍ فنيةٍ امتدت لأكثر من نصف قرن، وسمت خلالها كمالا بوضوحٍ مسارَ الحداثةِ الفنيةِ السودانيةِ وريادةَ المرأةِ في التشكيل، فضلاً عن دورها الأكاديمي الملهم. وبتتويجها هذا، قاسمتْ كمالا ذاتَ الجائزةِ التي نالها الشاعرُ المناضلُ محمود درويش عام 2004.

اشتهرت كمالا بريادتها في تطوير “الفن المفاهيمي” وتوجيهها لـ”المدرسة الكريستالية” في السبعينيات. غير أنها تأبى أن تحبسَ إبداعها في إطارٍ واحدٍ، فتتنوع أشكالها ومصادرها التعبيرية، مؤمنةً بأن الحاجة الفنية الداخلية وحدها هي من يرسمُ طبيعة العمل.

لقد مزجت كمالا تجربتها الروحية المستوحاة من بليك بدراساتٍ ميدانيةٍ عن “الزار” السوداني، مُضيفةً إلى أعمالها عناصرَ طقسيةً صوفيةً وأفريقيةً. تتجلى في لوحاتها نزعةٌ صوفيةٌ شفافةٌ تدمجُ البشرَ بالشجرِ، معبرةً عن وحدة الوجود. كما تستلهم من الفولكلور السوداني الثري، خاصةً الزخارف والنقوش النسائية، ومن جذور الحضارات القديمة التي اكتشفتها خلال عملها في ترميم الآثار.

لا تكتفي كمالا باستلهامها من المصادر التاريخية والفلكلورية، بل تستمد الإلهام من تجاربها اليومية، مُضفيةً عليها أبعادًا أسطوريةً. تُوصف كمالا بأنها محفزٌ ثقافيٌّ وقوةٌ مُلهمةٌ لجيل الفنانين السودانيين الشباب، إذ ركزت على المرأة في أعمالها الفنية والتعليمية، لا من منطلقٍ نسويٍّ نظريٍّ، بل من صميم تجربتها الوجودية كامرأة في المجتمع السوداني.

عودتُها من دراستها في الغرب لتنهلَ من طقوس السودان ورموزه وتجاربه الروحية، ثم تتويجها بجائزة عالمية، يعكسُ ما يمكن وصفه بـ “موسم الهجرة إلى الجنوب”، مقلوبةً بذلك عنوان رواية مواطنها الطيب صالح، لتثبت أن الأصالة والحداثة يمكن أن تلتقيا وتخلقا فنًا عالميًا خالدًا.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.