
عدي المشرقي
كاتب من اليمن
في بلد مثل اليمن، يصعب الحديث عن الدولة دون أن تحضر القبيلة. فالقبيلة ليست مجرد تركيبة اجتماعية، بل لاعب سياسي واقتصادي وحتى عسكري، له امتداداته في عمق المجتمع، وتأثيره على مسار الدولة الحديثة.
لكن، هل كانت هذه العلاقة بين الدولة والقبيلة دائمًا متناغمة؟ الإجابة، بمرارة، لا.
لطالما كانت القبيلة في اليمن طرفًا حاضرًا بقوة في صناعة القرار. غير أن هذا الحضور لم يكن دائمًا في خدمة مشروع وطني شامل، بل كثيرًا ما تحولت القبيلة إلى كيان موازٍ للدولة، يعرقل نموها ويعيد إنتاج الولاءات الضيقة. كما قال ابن خلدون قبل قرون: “قلّ أن تستحكم الدولة في وطن كثير القبائل، لأن كل عصبية تظن نفسها في منعة وقوة.”
شهد الشمال محاولات لبناء دولة مدنية بعد ثورة 26 سبتمبر، وكانت أبرزها تجربة الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي أراد تقليص نفوذ المشيخات القبلية، فدفع حياته ثمنًا لهذا الطموح. أما الجنوب فقد اتبع نهجًا مغايرًا بعد الاستقلال بتهميش القبائل بقوة الدولة، لكنه لم ينجح في إعادة صياغة العلاقة بطريقة دائمة أو عادلة.
اليوم، تتوزع القبائل اليمنية بين حاشد وبكيل ومذحج، لكنها، بدلًا من أن تنخرط في مشروع وطني موحّد، كثيرًا ما أصبحت أدوات بيد قوى متصارعة، أو مشاريع خارجية. لا تلعب دور الحاضنة الاجتماعية فحسب، بل تُستغل أحيانًا لتثبيت سلطات الأمر الواقع أو كقواعد عسكرية صامتة.
الدولة بدورها لم تقم بمهمتها كما ينبغي. فمنذ الوحدة عام 1990م، وخصوصًا بعد حرب 1994م اكتفت الدولة بالتعامل مع شيوخ القبائل كوسطاء، بدلًا من بناء علاقة مؤسسية مدنية معهم. غاب المشروع التربوي والإدماجي لأبناء القبائل في مؤسسات الدولة، وترسخ شعور متبادل بالاستبعاد والشك.
نحن أمام مأزق بنيوي: دولة غير قادرة على تجاوز القبيلة، وقبيلة ترفض أن تكون جزءًا من دولة لا تعترف بها إلا كمصدر نفوذ.
فهل يمكننا أن نبني وطنًا في ظل كيانات ما زالت تقيس الناس بأصولهم لا بأفعالهم؟ وهل يمكن أن ننتقل إلى دولة القانون، في ظل ثقافة سياسية ما تزال ترى في اليمن مجرد غنيمة تُوزّع لا فكرة تُبنى؟.
هذا هو السؤال، الذي يجب أن يُطرح بإلحاح في كل نقاش وطني جاد، بعيدًا عن المجاملات والمواربة.
Leave a Reply