تعديل الدستور …هل هي قضية تخص الشعب السوداني ؟

13/12/2018

تعديل الدستور، هل هي قضية الشعب السوداني؟

بقلم: د. ستنا بشير

طالب بعض نواب برلمان النظام بتعديل الدستور حتى يتسنى للبشير الترشح للرئاسة لفترة خمس سنوات أخرى، تبدأ في 2020، وربما لمدى الحياة، وتعالت أصوات تطالب بضرورة التصدي لهذا الانتهاك الصارخ للدستور، كما وصفوه، واستنكار الصمت الذي تقبل به المعنيين الأمر، رغم أن هناك بعض الأحزاب والناشطين في العمل السياسي تصدوا لمناهضة تعديل الدستور ورفض ترشيح البشير، كل له دوافعه ومحركاته.
السؤال هنا، هل رفض تعديل الدستور وترشيح البشير هو معركة يجب على الشعب وقواه الحية ان يتصدى لها بالرفض والمقاومة والمطالبة بالالتزام بنصوص دستور يتم خرقه كل يوم من قبل منسوبي النظام، دستور قابل للتعديل في أي لحظة طالما أن هنالك من يقبل أن يفصله على مقاس نظام الانقاذ؟
وهل هذا الدستور يمثل الشعب، وتم وضعه من قبل ممثلين حقيقيين له في الجهاز التشريعي؟ هل وافق عليه الشعب اساساً ؟
والسؤال الأهم هل تتوفر للمواطن وسائل للدفاع عن هذا الدستور، أو حتى للدفاع عن حقوقه الأساسية في ظل هذا النظام الديكتاتوري؟
وهل يمتلك المواطن حرية التعبير عن الرأي أو أي نوع من أنواع الحريات ؟ فالصحف تصادر، وتخضع لرقابة قبلية وبعدية، وكل من يطالب بحقوقه واجهته السلطة بأعتى أدوات القمع وسبل التنكيل وصولاً للتصفية الجسدية المباشرة.
وهل خوض هذه المعركة، للدفاع عن الدستور ورفض انتخاب البشير سيكون لها تأثير في اتخاذ القرار النهائي؟
هل تجد أصوات ومطالب المواطنين آذانا صاغية من قبل النظام؟
لو كان الأمر كذلك، أليس من الأجدى المطالبة بتوفير الخبز والعلاج والتعليم؟
أليس من الأجدى المطالبة بالحفاظ على وحدة البلاد وتحقيق السلام والحفاظ على سيادة الدولة وامتلاك قرارها؟
ولو افترضنا جدلاً، وهو أمر مستبعد، أن البشير صرح أنه لن يترشح في 2020، فهل علينا أن نصدقه؟ وهو الذي ظل يردد أنه لن يترشح كلما سئل عن الانتخابات، وانتهى به الأمر رئيساً (منتخباً) المرة تلو الأخرى؟ هل صدق في أي وعد قطعه أو احترم أي اتفاق عقده من قبل؟
الواقع أن النظام الديكتاتوري الاسلاموي لا يملك قراره، ويخضع لقرارات جهات خارجية، ترهن وجوده بتنفيذ ارادتها، وتحدد توجهاته وفق شروطها ورؤيتها، وبالتالي إرادة الشعب ومطالبه يتم تجاوزها ولا توضع في الاعتبار.
إن طرح مثل هذا الصراع (هل توافق على تعديل الدستور وترشيح البشير أو لا توافق) يذكرني بنظريات علماء النفس في التعامل مع الأطفال، كأن نسال الطفل هل تحب أن تأكل خيار أم جزر؟ ليشعر إنه يملك حق الاختيار، بينما نحن نوجه تفكيره ونحدد خياراته فيما نريده نحن ونظن أنه يخدم مصلحته.
ولا يتوقع من الطفل أن يمتلك القدرة على التفكير خارج الصندوق، فيرفض الخيارين المطروحين ويختار لنفسه خيار ثالث، فيرفض الخضروات ويطالب بحلويات.
فهل يظن النظام أن الشعب لا يملك القدرة على التفكير خارج الصندوق؟
فكلما اشتدت الأزمات وتصاعدت وتيرة السخط والرفض لسياسات النظام، يلجأ لخلق صراعات وهمية وغير مجدية، أو يروج لمواضيع انصرافية، ليدور الناس في فلكها وينصرفوا عن المشاكل الحقيقية.
يجب أن نمتلك من الوعي ما يجعلنا نتوقف ونختار معاركنا، ولا ننجر وراء تلك التي لا تهمنا في شئ ولا تخدم قضيتنا، فإن تم تعديل الدستور أو لم يتم، أو ترشح البشير لفترة اخرى، أو لمدى الحياة، أو لم يترشح، أو تم ترشيح فرد آخر من نفس المنظومة، أو من والاها، كل ذلك لا يغير من الواقع شئ، فالمعاناة ستستمر لأن السياسات التي أفرزتها ما زالت موجودة، لم ولن تتغير في ظل هذا النظام، وفشل النظام في إدارة الدولة لم تتم معالجته، ولا يتوقع أن يمتلك القدرة على معالجته، فلعبة الكراسي التي يمارسها النظام في كل تغيير وزاري، تثبت كل يوم أن الخلل مصدره الأسس التي تدار بها الدولة، وليس الأفراد، وأن اضافة وجوه جديدة لم يغير من الواقع شئ، فلم يتمكن أي مسؤول من تحقيق قدر من النجاح ولو صدقت نواياه واستبشر به الناس خيرا، كما ظن بعض الذين غرتهم تغريدات رئيس الوزراء ووزير المالية المبشرة، فما زالت صفوف الخبز والبنزين والصرافات الآلية في تزايد، وما زال انهيار الدولة وتردي الخدمات في تصاعد، وفي كل يوم جديد تفقد البلاد ملمح من ملامحها وتنهار احدى ركائزها التاريخية.
اذاً لا حل امامنا إن أردنا إحداث تغيير حقيقي الا باجتثاث المنظومة بكاملها وكل الأسس التي قامت عليها بشكل جذري، وبناء نظام جديد على أسس سليمة، المواطنة أساسه، وتوفير الحقوق الأساسية للانسان، وقيادة الدولة نحو التقدم والرفاه.