الفساد سمة الرأسمالية الطفيلية ووسيلتها في الاستفراد بالحكم

الفساد سمة الرأسمالية الطفيلية ووسيلتها في الاستفراد بالحكم

بقلم: المهندس عادل خلف الله

صعدت القوى المتأسلمة إلى السلطة في السودان عبر العنف، وتبنته كوسيلة دائمة للحفاظ على وجودها وحماية مصالحها المادية، وهي قوى متخلفة وبدائية بطبيعتها، وذات قاعدة اجتماعية هشة ومحدودة، ولسد عجزها وخوائها الفكري، وظفت الدين للتعبير عن مصالحها المادية والسلطوية، ونتج من ذلك تحالفها مع الدكتاتورية العسكرية، فأفسدت الدين والسياسة معاً، كما قال ابن رشد.
وتحت صخب شعارات عامة وفضفاضة وجوفاء، جرى تطويع الدين والتاريخ، ليكونا في خدمة التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة الطفيلية، وبما يتوافق مع نمط الحياة التي يتوقون إليها، وتحت سنابك التمكين والمشروع الحضاري وصياغة المجتمع الجديد، أجرت بوعي مسبق وتصميم، عملية تدمير ممنهجة للمؤسسات والمشاريع الراعية للقيم والتقاليد، والضامنة للاستقرار والتماسك الاجتماعي، فتم سحق مؤسسات الخدمة المدنية والعسكرية والأحزاب والنقابات والمشاريع التنموية الكبرى، بغرض إزالة كينونة الدولة ونظمها، وإحلال مافيا العصابات ومراكز النفوذ داخل الجماعة الإسلاموية مكانها، وكل ذلك تم من خلال دفعها بالعنف إلى أقصى مدى في مواجهة المطالب والتطلعات الشعبية، فتحولت البلاد بشكل مباشر إلى ميدان للحرب وضيعة صغيرة تخضع لسيطرتها.
ومع غياب الدولة والفكرة، سخرت القوى المتأسلمة موارد البلاد باسم التمكين، لزعزعة كل ما هو إيجابي وطبيعي وإحلال المُنبَتين مكانه، أو شراء الوﻻءات والذمم، فحدثت أبشع مجزرة للتقاليد والقيم، وتمت تصفية مؤسسات الدولة والمجتمع من خبراتها، وتشريد كفاءاتها قسرياً، وتقنين عمليات النهب المنظم للمال العام، فباتت السرقة “شطارة”، والخلط بين الوظيفة العامة والنشاط الخاص “استفادة”، والرضوخ لوصفات صندوق النقد الدولي “ضرورة لها أحكامها”، والتستر على اللصوص، وخائنو الأمانة العامة “تحلل”، والرشوة “عمولة”، والحط من قدر الأسرة وكرامة الحقوق الزوجية “زواج مسيار”، إلى آخر قائمة التشوهات المفاهيمية والقيمية الطويلة.
ومع انسداد الأفق أمام النازحين، وتزايد أعداد المشردين والباحثين عن العمل، وازدياد الهجرة من الريف إلى الحضر، ومن الحضر إلى الصحارى، وما وراء الحدود والبحار، والتفاوت اللامعقول بين الأسعار والحد الأدنى للأجور، تتكشف أكثر فأكثر معالم هجمة العنف المنظم لعصابات الرأسمالية الطفيلية، على الخطوط الأخلاقية المتعارضة مع توجهها ومصالحها، فالفساد إذن ما هو إﻻ إحدى سمات تحالفها مع الدكتاتورية العسكرية، فاستهدف هذا التحالف وما زال، جمجمة التماسك الاجتماعي، بهدف إضعاف المناعة الوطنية الرافضة للهيمنة والفساد المزدوج للدين والسياسة، ولأن الثروة محدودة في الأساس، فيبقى تأثرها على الناس، محدودٌ أيضاً، ولذلك جاء في محكم التنزيل: “فَأما الزّبدُ فَيذهبُ جُفاءً وأما ما يَنفعُ الناس فَيَمكُثُ في الأرض”، وقديماً قال الشاعر: “إِنما الأمَمُ الأخلاقُ ما بَقيت.. فإن هُمُ ذَهبت أخلاقُهم ذَهبوا”.
وعلى الرغم من أن هذا النّهج أدخل بلادنا في أتون أزمة شاملة، إلا أن شعبنا بدأ في تجاوزها بإرادته الحرة، عبر فعاليات الاحتجاج الواسعة والمتكررة، ليصل – بإذن الله – إلى الانتفاضة الشاملة والعصيان المدني، بإسقاط تحالف الدكتاتورية العسكرية والرأسمالية الطفيلية، ويقطع الطريق على بدائلها الزائفة، فهم يرونه بعمي السلطة وغطرستهم بعيداً، ونراه نحن بحكم نواميس الكون والتجربة النضالية قريباً.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.