
كلمة_الهدف
الارتهان للحلول الجاهزة شيطنة للديمقراطية
20 أكتوبر 2018
تحي أسرة صحيفة “الهدف” قراءها وكل جماهير الشعب السوداني بالذكرى 54 لثورة أكتوبر المجيدة التي عبرت عن وحدة الإرادة الشعبية، وانتصارها على الديكتاتورية وأسست للديمقراطية ومؤسساتها، في أروع ملحمة شعبية سجلها التاريخ السوداني الحديث، تضافر فيها دور شعبنا ومؤسساته المدنية في مناهضة الديكتاتورية وأجهزتها القمعية، حتى ظفرت بالديمقراطية والحرية. ظلت ذكرى ثورة أكتوبر مصدر إلهام للقوى الطليعية والقيادات الشبابية الصاعدة، نحو التغيير واسقاط ديكتاتورية الثلاثين من يونيو، التي أشاعت الحرب والفقر والفساد وانتهاكات حقوق الانسان طيلة فترة وجودها على سدة الحكم.
في النصف الأول من شهر سبتمبر الماضي؛ قام رأس النظام بحل ما يطلق عليها “حكومة الوفاق الوطني” وكوّن حكومة جديدة، بعد أن واجهت البلاد أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها منذ مطلع هذه الألفية. وبتغيير تلك الحكومة، أو استبدالها بأخرى لكأنما يفهم المتابع بأن الأزمة كانت تكمن في الأشخاص والوزارات القائمة، وإنما الواضح أن الأزمة هي أكثر شمولاً وعمقاً من تدوير عناصر السلطة الديكتاتورية على مقاعد وزارات وولايات الدولة.
إن الطبيعة الديكتاتورية الفاسدة للسلطة القائمة، هي العمود الفقري للمشكلة الاقتصادية والسياسية والأمنية في السودان، فبعد أن وطّن رأس النظام لنفسه، عمل كل شيء في الدولة بدون حسيب أو رقيب، بدءاً من تعيين نواب ومساعدين ومستشارين له كيفما يشاء، مروراً بتعيين الولاة، وتعيين الوزراء والقضاة وأعضاء البرلمان، جعل لنفسه خمسة مجالس رئاسية توازي حكومته الديكورية، يمارس من خلالها سلطته الديكتاتورية على كل الجهاز التنفيذي. وبالتالي، وخلال 29 عاماً من ممارسة الديكتاتورية والفساد والقمع، يدرك المتابع أن مكمن الفشل في إدارة الدولة، ليس فقط في الأشخاص أو كفاءاتهم، وإنما في بنية الدولة والنظام الذي يديرها، في النظام القمعي الفاسد الذي يتحكم في كل مفاصل الدولة، وبالتالي يكون مكمن الحل في معرفة أساس المشكلة، ألا وهو وجود النظام الديكتاتوري، بدءاً من رئاسته وإنتهاءً بمؤسساته الأفقية والرأسية الأخرى.
هذا التدهور المريع والفشل المتكرر، لم يتخذ ملمحاً سياسياً محضاً، حتى يتعايش معه بعض الناس، وإنما هو فشل يتخذ أشكالاً وأنماطاً تغطي كل صور حياة الناس، فانتشر الفقر بمتواليات تفوق الحصر، وتدهورت كل الخدمات العامة، وانعدم الأمن في أغلب ولايات البلاد وانتشر السلاح والعنف والمليشيات والجريمة، وانتهاكات حقوق الانسان، بجانب الارتهان الكامل للقوى الاستعمارية والقوى الطفيلية المحلية والإقليمية. فبالتالي لم تعد هناك فئة من المواطنين معزولة من آثار الديكتاتورية وتداعياتها اليومية.
منذ توقيع اتفاق نيفاشا في عام 2005، تكررت سيناريوهات الإبقاء على الديكتاتورية ورموزها، بدعاوى التحول الديمقراطي السلس، والحفاظ على وحدة البلاد، ولضمان تنفيذ اتفاق السلام، والهبوط الناعم، أو غير ذلك من المبررات التي ظلت تسوقها بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية المستفيدة من استمرار النظام القمعي في حكم البلاد.
الأمر الذي لا جدال حوله، أن مطالب شعبنا في الحرية والكرامة والسلام والديمقراطية والرفاه الاجتماعي، والتي هي حقوق إنسانية، ولكنها ليست كذلك بالضرورة عند العديد من القوى النافذة إقليمياً ودولي، كذلك ليست كل القوى السياسية المعارضة للديكتاتورية على ذات الوعي بتضارب المصالح بين القوى الاستعمارية والطفيلية من جهة، ومطالب المواطنين وأولويات الوطن من جهة أخرى، مما يضعهم في فخ لعب أدوار مرسومة لإنجاز أجندات لا صلة لها بمطالب الشعب وتطلعاته.
وإذ يستعيد شعبنا العظيم ذكرى ثورته الشعبية في أكتوبر 1964، سيكون من المهم استلهام دور الشعب وإرادته في خلق تغيير ينجز التحول الثوري في مسيرة حياته، وليس بإعادة إنتاج التجارب التي لا تنم عن إبداع سياسي، ولا عن إدراك مستوى الأزمة التي يعيشها الوطن والمواطن في ظل هذه الديكتاتورية الفاسدة.
إن الارتكان إلى الحلول الجاهزة، المنتجة بعيداً عن فضاءات المواطنين، لن تنتج تحولاً يؤسس لمستقبل ديمقراطي للسودان، بقدر ما سيرهن البلاد لأطول مدى زمني للديكتاتورية، وسيرهن مستقبل البلاد والأجيال الجديدة للقوى الاستعمارية ذات الأجندة التوسعية الخبيثة.
التحية لمن هم أكرم منا جميعاً، شهداء معركة الحرية والكرامة والديمقراطية، شهداء أكتوبر وأبريل وسبتمبر الأكرمين، الذين آمنوا بدورهم في التغيير، فتصدوا لهذه المهمة بكل تجرد وإخلاص.
Leave a Reply