التعدي على البنية التحتية.. الواقع والحلول (1)

محمد شريف

بسبب انتعاش تجارة الخردة عالميًا، تتعرض البنية التحتية للتعدي من عصابات منظمة تستغل الأطفال لسرقة المكونات المعدنية. وظلت خطوط السكك الحديدية وشركات الكهرباء وغيرها في كل دول العالم بلا استثناء تعاني من خسائر ضخمة بسبب هذه الظاهرة، منها:

• جنوب أفريقيا: مدينة كيب تاون وحدها تتكبد خسائر تُقدّر بالملايين سنويًا بسبب سرقة كوابل النحاس من إنارة الشوارع وشبكات المياه. وتخسر شركات الكهرباء في كينيا حوالي 20 محولًا كهربائيًا أسبوعيًا بسبب سرقة النحاس.

• المملكة المتحدة: تتسبب سرقة النحاس في خسائر تُقدّر بملايين الجنيهات الإسترلينية. في السنة المالية 2022/2023، بلغت خسائر شبكة السكك الحديدية (Network Rail) وحدها نتيجة لتأخيرات القطارات الناجمة عن سرقة المعادن 12.24 مليون جنيه إسترليني (حوالي 14.33 مليون يورو).

• ألمانيا: أبلغت شركة “دويتشه بان” (Deutsche Bahn) عن 450 حالة سرقة معادن، أثّرت على 3200 قطار وأدت إلى خسائر بلغت 7 ملايين يورو.

• فرنسا: لاحظت شركة SNCF الفرنسية أن أكثر من 40 ألف قطار تأثرت بسرقة النحاس، مما أدى إلى خسائر تجاوزت 20 مليون يورو.

• بلجيكا: شهدت بلجيكا زيادة بنسبة 300% في حوادث سرقة النحاس في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، حيث سُجلت 466 حادثة.

في السياق السوداني، تتفاقم هذه الخسائر بسبب ال-ح-رب التي شلّت قدرة الدولة على الحماية والإصلاح، مما يحوّل سرقة الخردة المعدنية إلى كارثة وطنية تؤثر على جميع جوانب الحياة. ففي العاصمة الخرطوم، تعرّضت كوابل النحاس للسرقة والإتلاف بشكل واسع خلال ال-ح-رب، منها فقدان كميات هائلة من النحاس وفق بيان وزارة المعادن السودانية، بلغت 884 طنًا من معدن النحاس من مصفاة السودان بقيمة تقارب 8.6 مليون دولار أمريكي. استُهدفت مصانع في الخرطوم، وسُرقت المحولات وتوصيلات الكهرباء، كما تضرر قطاع الاتصالات، على الرغم من أن التقارير تركز أكثر على الكهرباء.

بالرغم من أن ال-ح-رب فاقمت الظاهرة وأصبحت جريمة متعدية، فإن سرقة المعادن ظهرت في قطاع السكة الحديد مع بداية القرن الحالي. مع امتداد السكك الحديدية على أطوال تقرب من خمسة آلاف كيلومتر، عابرة مناطق كانت تتنوع مجتمعاتها وبعضها متخلف تنمويًا وثقافيًا، إلا أنها لم تتعرض للاعتداء إلا خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية، ويُعزى ذلك للمصالح المتبادلة بين المجتمعات المحلية والسكة الحديد، إذ كانت الأخيرة توفر وظائف وسبل عيش وخدمات لهذه المجتمعات، وساهمت في تنمية المناطق التي تمر عبرها.

لمواجهة ظاهرة سرقة وتهريب كوابل النحاس، خاصة في ظروف ال-ح-رب والفوضى، يتطلب الأمر طرقًا غير تقليدية ومبتكرة تتجاوز الإجراءات الأمنية التقليدية. وهنا بعض هذه الطرق:

1. الردع التكنولوجي والمراقبة الذكية:

تتبع الكوابل بالـ GPS أو RFID بدمج شرائح صغيرة.

أنظمة إنذار ذكية للكوابل عند محاولة القطع مع إرسال إنذار فوري إلى الجهات الأمنية أو المراقبة باستخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز).

أو في اتجاه آخر: إضافة جزيئات دقيقة فريدة (DNA tagging) واستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات للتنبؤ بالسرقات.

 

2. الحلول البديلة للمواد الخام:

استبدال النحاس بمواد أقل قيمة: استخدام مواد بديلة مثل الألومنيوم أو الألياف الضوئية في الكوابل الجديدة أو عند الاستبدال.

 

3. التعاون المجتمعي والاقتصادي:

إنشاء برامج مجتمعية في المناطق المتضررة تهدف إلى إشراك السكان المحليين في حماية البنية التحتية مقابل مشاريع تنموية صغيرة أو توفير فرص عمل بديلة.

تنظيم سوق الخردة والمعادن: وضع قوانين صارمة لتنظيم سوق الخردة والمعادن، تتطلب من التجار تسجيل جميع المعاملات وتوثيق مصدر النحاس المُباع، وفرض رقابة صارمة على منافذ البيع والشحن. قامت جنوب أفريقيا بتطبيق قوانين صارمة للسيطرة على تجارة المعادن الخردة لمكافحة سرقة الكوابل. في المملكة المتحدة، أدت القوانين الجديدة (مثل قانون تجارة المعادن الخردة 2013) إلى انخفاض ملحوظ في سرقة المعادن من خلال فرض قيود على المعاملات النقدية ومتطلبات تحديد الهوية.

 

إن تطبيق هذه الحلول في السودان يتطلب استقرارًا أمنيًا نسبيًا، وإرادة سياسية قوية، وتنسيقًا واسعًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وهذه المطلوبات بعيدة المنال في الوقت الحالي، ولكن البدء في التفكير فيها ووضع الخطط لتطبيقها بمجرد استقرار الأوضاع سيكون أمرًا حيويًا لإعادة بناء البنية التحتية وحماية الموارد الوطنية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.