بغيضة ونتائجها كارثية.. الحرب دي غاية أم وسيلة؟

بقلم: أ. أماني خاطر جبل الدهب

في العادة الناس بتحارب عشان تحقق غايات، ولأنه الحرب فعل كريه ما بتم اللجوء ليها إلا إذا تعذّر الوصول للغاية من غيرها. في ناس الحرب عندهم هدف وحيد وخيار أول، وده ما بمنع إنه برضو في ناس الحرب بالنسبة ليهم معناها موت وهدم وتشريد وخسائر في المال والثمرات.

الطبيعي والمنطقي مفترض تكون آخر خيار يُقدِم عليه الناس مكرهين.

الغريبة، في ناس بعتبروا ال ح رب أقصر طريق لتحقيق غاياتهم، وديل بيفكروا بعقلية الكسب السريع الخاص، ولو على حساب الخسارة العامة، وهم ديل القاعدين باستمرار يجهزوا نفسهم لل ح رب والتسليح، ولو على حساب التنمية والرخاء. في العادة بَصِل بيهم الحال إنهم يتحولوا لأدوات قتل تحت عناوين مختلفة: دينية، وطنية، سياسية، قبلية…..

التجهيز الدائم لل ح رب بالتدريب والتسليح لأي حزب، وتبني خطابها وشعاراتها، بخليهم يشعروا بالقوة، وبالتالي بمارسوا القرصنة والفتوّة على نظراءهم، وبتلقاهم بميلوا أكتر لاستخدام أدوات القمع لفرض رؤيتهم وتمرير أجندتهم، معتمدين على مقولة: “القوي ما تْقاويه”، و”الما عنده سلاح أمو بتبكي”، و”العايزنا السلاح يوري وشو”، و”الحسوا كوعكم”، و”فلترق كل الدماء”.

العقلية دي عندها طريق واحد: يا إما فرض رؤيتها، ولا تُغرق المركب بمن فيها (فلترق كل الدماء). وفي ده لا بهمهم وحدة شعب ولا تراب. ديل بتلقاهم ما عندهم مانع إذا البلد اتقسم، المهم يستفيدوا من التقسيم وخطاب الكراهية لمن ينحازوا لجهة على حساب التانية.

أصلو ما غلط يكون عندك هدف عايز تصل ليه، الغلط استخدامك لوسائل غلط عشان تصل لي هدفك، ومن ضمن الوسائل الغلط: ال ح رب.

خلونا نحاول نتفق إنه خسائر ال ح رب بتفوق غاياتنا، مهما كانت سامية أو وضيعة، أما إذا كانت الغاية نبيلة فال ح رب عمرها ما كانت مطيّة توصّل ليها، لأنه نتائج ال ح رب على المجتمع ما عندها علاقة بالنبل. فليه ما نفكر في وسائل تانية لتحقيق الغاية؟

بكل تأكيد مرات ال ح رب بتفرض نفسها حتى على المؤمنين بالسلام، وهنا بخوضوها الناس مكرهين، بقاتلوا بيد، وبشيلوا غصن الزيتون باليد التانية، ليس من ضعف، إنما بوعيهم بضرورة تقليص الخسائر وحصرها قدر الإمكان.

السلام سمِح، ما من شك. ولو في طريقة نوقف ال ح رب ونتفق على رؤية من خلالها تتحقق أغلب الغايات — ولا أقول كلها، لأنه تحقيق كل الغايات غير ممكن — لأننا شركاء في الوطن وحقوق المواطنة، وبالضرورة بتتقاطع رؤيتك ومصالحك الشخصية مع غيرك، فبنحتاج في الحالة دي لتقديم تنازلات متبادلة لا تمسّ الأساسيات المتفق عليها لصالح استقرار الكل.

هو نحن بنقاتل لأهداف الشعب أم لتحقيق أهدافنا الشخصية؟
طيب، مش مفروض نعاين لحال الشعب؟
أها، الحال ده عاجبكم؟
طيب، المانع شنو عشان خاطر عين الشعب البعاني نوقف ال ح رب؟
عشان خاطر الأطفال والنساء والشيوخ، عشان خاطر بلدنا الراجع للوراء أكتر من 50 سنة تخلف.

ما عيب، وأنت بتقاتل، تتحرك بجدية من أجل السلام وإنهاء ال ح رب، خاصة لو كانت الحرب داخلية. بالمناسبة، قرار وقف ال ح رب عايز زول أشجع من البياخد قرار ال ح رب. ونحن كشعب نازح ولاجئ، جيعان وفقران ومرضان، عايزين الحرب تقيف بأسرع وقت.

والله العظيم الموضوع أكبر من السياسة، وأكبر من المكايدات، وأخطر من التكسب بالشعارات. إنتو عارفين، موضوع الدعوة للسلام في زمن ال ح رب برضو محتاجة شجاعة لا تقل عن شجاعة المقاتلين… لأنك بتكون زي الحجاز في شكلة مولعة، وزمان بقولو: الحجاز ليه عكاز؟ ولأنه ال ح رب فيها انفعال وخطابها اتجاه واحد: “يا معاي يا مع الخيانة”، بطلب منك كل فصيل تحديد موقفك، وبختك قدام خيارين: “يا معاي وهاك استلم بندقيتك”، “يا مع العدو، هداك امشي معاه وانتظر موتك!”

هم ما بقبلوا منك تبني خيار تالت زي وقف ال ح رب، تقيف كيف وهم ما حسموها بالبندقية؟ كل واحد بيكون عنده ترتيباته لهزيمة الآخر، وعنده وعود بالدعم والتسليح لضمان تفوقه العسكري.

كمان ال ح رب لما تطول، بتكون زي العصب والعضلات الطولت ما اتحركت، بحصل ليها تيبّس وبتموت، وتاني بكون صعب جدًا تحريكها. أهي دي نفسها عقلية ال مت ح اربين، البَحَصَل ليهم تيبّس عقلي وموت لقيم السلام، وبعدها ما بقدروا يتحركوا في اتجاه مربع وقف ال ح رب، بشوفوا وقف الحرب بدون إعلان انتصارهم هزيمة ليهم وخيانة لمؤيديهم.

طبعًا الناس الما قاتلت ما بتعرف حجم الضرر البقع على نفسيات الجنود، الفقدوا أطرافهم، وخسروا أصحابهم، ومرت بيهم ظروف وأحداث أثرت عليهم، وخلّتهم بفضلوا الموت ألف مرة على وقف ال ح رب. إذا هم بعد كل الشافوه بيجيهم واحد، حسب تصورهم، ضارب الكندشة وبشرب في الموية الباردة وبطالبهم بوقف ال ح رب؟ ما بوقفوها. ما بوقفوها عشرة مرات، إلا إذا هيأناهم نفسيًا لتقبّل فكرة الوصول لاتفاق ينهي ال ح رب — وكت عايزين تنهوها، مدخلنّا فيها ليه؟!

وهنا بنلقى ناس، حتى إذا حصل ووقفت ال ح رب، بولعوها من جديد لأنهم ما اقتنعوا بوقفها، ولسه جواهم مرارات بتخليهم مرات يخونوا ناسهم الجَنحوا للسلم، وبالتالي ديل هم البعطّلوا خطوات السلام.

خلينا، ونحن بندعو لوقف الحرب، نقتنع بأن نقدم تنازلات أكبر من البنطالب بيها الفصائل الم تح اربة، لأنه ما من المنطق تقول لي زول قاعد يحارب سنتين: “كما كنت، ارمي سلاحك وامشي بعيد لأني عايز أحكم الفترة الانتقالية ما بعد ال ح رب”. بالطريقة دي، مافي زول برمي بندقيته.

خلونا نفكر بعقلنا، لمصلحتنا كلنا كشعب محتاج يرجع يشتغل وينتج، يفتح مدارسه وأسواقه، ويرجع يشوف الحاصل في بيوته، ترجع المستشفيات تفتح أبوابها وتقدم خدماتها، والنوادي ترجع، والأفراح تعود تملأ المدن والبوادي والفرقان. ياخ على الأقل الناس ترجع تطل على المقابر تشيل الفاتحة على ناسها الاندفنوا بدون ما يودعوهم ويصلوا عليهم.

مالو لو غيرنا طريقة تفكيرنا، واتخلينا عن دعم خطاب التصعيد والكراهية والعنصرية؟ يحصل شنو لو أعدنا ترتيب أولوياتنا بطريقة تجعل عودة الأمن والأمان ممكنة؟ في زول ما بحب يعيش في أمان؟

كمان، الإقترف ذنب لازم يتحاسب. مالو لو قلنا “الحساب ولد”، ما هو مافي سلام بحصل لو ما خضعنا كلنا لعدالة القانون، ما في جرح بطيب إذا ما عالجناه.

كمان، بنفس الطريقة القلنا بيها “مافي زول يقول ارمو سلاحكم عشان أنا أحكم”، بنقول لحملة السلاح: “ما تفرضوا نفسكم بالبندقية على دعاة السلام”.

خلونا كلنا نتفق نرجع 10 خطوات للخلف، لصالح تتقدم حكومة مدنية متفق عليها من الجميع، تقود فترة انتقالية دون تمطيط، فترتها سنة، نوفّر ليها كل أسباب النجاح، مش نناكفها ونكسر مجاديفها، نديها بالكتير سنة ونص.

الحكومة دي لا فيها عسكر ولا فيها أحزاب، تبتدي تعالج الأزمة الاقتصادية، وتعمل على تأسيس بنية تساهم في إعمار ما دمرته ال ح رب. الحكومة دي مهامها واضحة ومحددة، أهمها تعد قانون للانتخابات وتجهز البلد لانتقال سلمي ديمقراطي عبر صناديق الانتخابات.

ولو المتحاربين ديل غايتهم البلد، الانتخابات هي الوسيلة للغاية، مش البندقية أو خطاب التحريض والكراهية. ولو في عسكري عايز يحكم، مالو؟ مافي مشكلة، بس يقلع لينا الكاكي بتاع الدولة، ويرشح نفسه كمدني، والناس كان انتخبته نشيلو فوق راسنا.

وما ننسى، المليشيات لازم تتحل، والعسكر للثكنات.
والجيش يكون واحد، مافي حاجة اسمها “ده من رحمنا وده من رحم الغيب”… مافي بندقية إلا حقة الجيش المهني القوي الواحد.
مافي حزب أو قبيلة عنده مليشيا.

لو كلنا متفقين، خلونا نحتكم لخيار الشعب. لازم نبعد المغامرين من كرسي السلطة. ولو كلنا هدفنا الشعب، خلونا نعاين ليه بعين الرحمة، لأنه شعبنا تعب… تعب شديد، وضاقت بيه الدنيا، فهل ممكن، لو سمحتو… لو سمحتو، توقفوا لينا ح ربك م دي عشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.