
هل مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية، شكل من أشكال الهيمنة أم تغيير واجب لمفهوم الممارسات السياسية؟
لا شك أن العالم هو حقيقة متغيرة، وأن التغيير هو سُنة الكون، وعادةً ما يتبع التغيير حالات لازمة، فإما إصلاح وتنمية، وإما فساد ودمار.
ولا شك أيضًا أن واقع دولة السودان اليوم هو حالة تغيير سيئ، من حيث تتبع واقعه خلال فترة الستينات والسبعينات وجزء من الثمانينات… وما فعلته الحرب، وقبلها الثلاثون عامًا المظلمة، من خراب ودمار شامل، جعل من واقع دولة السودان واقعًا سيئًا بكل أشكال السوء.
إن الشعب السوداني، كغيره من شعوب العالم، يحلم بمستقبل يكون الواقع فيه واعدًا، وتسود فيه قيم العدالة والحرية والمساواة واحترام الإنسان… واقع تنخفض فيه نسبة الفقر والجهل والأمية والتخلف والفساد، وهو أمر ليس بالمستحيل أو الصعب، ولكنه يحتاج لإرادة واعية وفكر ومسؤولية.
إن حاجتنا للتغيير وإصلاح حال السودان وشعبه حاجة مُلحة وضرورية، لا مهرب منها أو تجاهلها، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
والتغيير يبدأ باستغلال المساحة الرحبة بين المؤثر والاستجابة، والاستجابة للمطالب الشعبية للأمة باعتبار أنها (الأمة) هي مصدر الشرعية الحقيقية، وهي المساحة الرحبة التي تفصل بين الصدق والزيف.
إن واقع دولة السودان اليوم، بفعل الحرب التي عبثت به، يعاني من اختلال لا يمكن معالجته دون الاستعانة بمفهوم الإصلاح… والإصلاح، المتداول في الأدبيات السياسية الحديثة، نجده يتضمن مفاهيم التنمية والتحول والتغيير وحتى التحديث، وهي مفاهيم يشير واقع حالنا أننا بعيدون عنها كل البعد، مقارنة بما حولنا من محيط إقليمي ودولي.
إن الإصلاح المُفضي للتغيير هو عملية تعديل، كما ذكر عبدالله بلقزيز في أسئلة الفكر العربي، ص ١٣، بأن:
(التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو ممارسات وسلوكيات لمؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ أو تصويب اعوجاج).
وحسب هذا التعريف، فإن واقع السودان قد استوفى كل مظاهر الوضع الشاذ من حيث الممارسات والسلوكيات الفاسدة، والمؤسسات الاستبدادية، والمجتمع المتخلف، والأخطاء، والظلم، والاعوجاج.
وهنا ثمة سؤال:
ما هو الحجم الحقيقي للإصلاح المطلوب والذي يحدث التغيير للأفضل؟ وما هو نوع التغيير المطلوب؟ هل هو تغيير صوري تجميلي؟ أم رمزي؟ أم بسيط هامشي؟ أم انتقائي؟ أم جزئي محدود؟
إن التغيير الجذري العميق لا يحدث من فراغ، فهو يحتاج لظرف وحالة، مثل غياب العدالة والحرية وعدم الاستقرار، وغيرها مما هو سائد في حال دولة السودان وواقعها اليوم.
فنظام البرهان الانقلابي هو نظام سلطوي استبدادي، وهو ظرف متوفر في واقع السودان اليوم… ووجود مجتمع متخلف يسود فيه الفقر والجهل، هو ظرف متوفر في واقع السودان اليوم… ووجود مؤسسات فاسدة، هو ظرف متوفر في واقع السودان اليوم… وعدم وجود منظمات مجتمع مدني ونقابات فعالة، هو ظرف متوفر في واقع السودان اليوم… وعدم وجود مؤسسات دستورية، هو ظرف متوفر في واقع السودان اليوم.
وجميع هذه الظروف الموضوعية تدفع باتجاه الإصلاح، وإذا ما بقي الوضع على ما هو عليه من جمود للقوى الفاعلة، فإنه سيؤدي إلى ما لا يمكن التغلب عليه.
إن واقع دولة السودان اليوم هو أزمة تمثل خطرًا وتحديًا تعدى الأمن والاستقرار إلى تهديد الوجود والبقاء… هي أزمة خلل داخلي لا يقبل الآن التوفيق أو التلفيق، بل يحتاج إلى الاستجابة العقلانية، وهو ما تحدث عنه مكيافللي في كتابه الأمير، ص ٨٢، حيث أشار إلى أن:
(أصعب شيء في التنفيذ، وأكثر تعرضًا للفشل، وأجزاءه خطورة في التناول، هو إقامة نظام جديد للأمور).
وأخشى أننا في السودان، بسبب تطور الأزمة، نحتاج لنظام جديد للأمور.
وأكثر ما أخشاه، أن تكون هذه الظروف صنيعة لتكون بمثابة مبررات للتدخل وتحقيق إرادة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
Leave a Reply