صابِنّها: ما تعملوا من المشكلة (مشكلة)!

بقلم: محمد عبد الماجد

في هذه الحياة، نحنُ مُحاطون بالكثير من المشاكل والأزمات والعقبات. الطريق أمامنا موحش، من يسير فيه مفقود مفقود، لكن مع ذلك لا تزيدنا تلك المشاكل والعقبات إلا تحديًا، ولا يجعلنا الطريق الموحش إلا أكثر رغبة وإصرارًا للسير فيه.
المتعة والإثارة والحلاوة تخرج من المتاعب، لا من الراحة. بالمشقة نحن نتميّز (لولا المشقة ساد الناس كلهم).
الفقر مُحفّز للنجاح أكثر من الغِنى.
الحياة حلاوتها في الشقاوة؛ لأنك حين ترتاح تتذكّر لحظات التعب والبهدلة، فتتذوق للراحة طعمًا. مثل الصحة والعافية لا تعرف قيمتهما إلا في المرض.
في كثير من الدول المتقدمة، فقدوا القدرة على الإحساس بالمتعة، لأن كل شيء سهل ومُيسّر، لذلك أصبحوا يبحثون عن المتعة في التزحلق على الجليد، وتسلق الجبال، ومصارعة الثيران.
نحن لا يمكن أن نفعل ذلك، لأننا نصارع “ثيرانًا” أخرى: ثيران السياسة والسلطة. لا حاجة لنا برياضة تُستفزّ فيها الثيران بقطعة قماش حمراء… السياسة عندنا تستفز حتى الثيران!
من رفاهيتهم في تلك الدول، أصبحوا يستمتعون بصراعاتنا، خلافاتنا، حروبنا. استبدلوا عراك الثيران بمشاهد دموية أخرى، وهم يُشاهدون الأبرياء يموتون، والأطفال يُقتلون في وطن لا يتمنى للآخرين إلا كل خير.
ناس برّه ديل ما عندهم مشكلة… مشكلتهم بقت “السودان”!
يبحثون عن مشاكلنا، هم سعداء بما يحدث هنا.
الملاكمة، المصارعة، وسباقات السيارات كلها رياضات قائمة على تحدي الخطر. ونحن؟ الخطر يواجهنا في حياتنا كل خطوة.
بقينا لما ما نحس بالخطر، نشعر أنه في حاجة غلط… في خطر أكبر جاي. الإحساس بالأمان بقى في حد ذاته خطرًا.
الخطر الحقيقي عندنا لما ما نحس بالخطر. (الكلام دا مهم وما بتلقوه في حتة تانية).
تتخيلوا؟ بعد كل الذي فعلته الحرب، في ناس لغاية الآن عندهم مشكلة مع “السلام”!
دخلت مع الصديق الدكتور علي عصام، بوعيه المعروف وأدبه الجم، في نقاشٍ، كان فيه يحاول إثبات فشل فلوران وعدم جدوى استمراره في الهلال، بينما أحاول إثبات العكس.
وعندما تجادل الدكتور علي عصام، عليك أن تحتكم إلى المنطق والأرقام، لأنه يتحدث بمنطق واحترام.
رغم “الخروف” الذي بشّر به في حالة الإطاحة بفلوران، وجدت أن أشرك القراء في ذلك الحوار، لأن وجهة نظر علي عصام وآراءه تمثل الكثيرين. ومع احترامي لها، فأنا أختلف معها جملةً وتفصيلاً، وأرى أن المشكلة الحقيقية هي ما نعيشه الآن.
نحن في العادة كل أزماتنا ومشاكلنا نحلّها بإقالة المدرب.
يخيّل لي أن الواحد فينا لو عنده ملاريا، أو مشكلة في العربية، أو في حنفية الموية، أو في طشاش إشارة الطبق، أو في بطارية الموبايل، لحلّ المشكلة بإقالة المدرب!
منذ العام 1930 ونحن نُطيح بالمدربين بعد كل إخفاق أو خروج من منافسة. هل في كل تلك الإقالات تحقّق نجاح أو فزنا ببطولة؟
كل النجاحات التي تحقّقت، جاءت من الاستقرار الفني واستمرار المدرب.
لماذا في كل موسم، أو بعد كل إخفاق، نعتبر أن المشكلة في المدرب؟ وأن الحل في الإطاحة به؟
لا أؤمن بأي حل قائم على الإطاحة والإقالة.
الحلول النموذجية تقوم على لَمّ الشمل، الحوار، البناء، لا على الهدم.

في حياتنا العادية، أبغض الحلال الطلاق.
صحيح أنه غير محرّم، وقد يجد أحد الطرفين راحته في الفراق، لكن الأبناء هم الذين يدفعون الثمن.
تسمع من يقول: “حياتي مع الطرف الآخر أصبحت مستحيلة” — هذا ضيق أفق، وأنانية، وسوء اختيار من البداية.
عليك أن تختار بتروٍ، وأن تتحمّل متاعب اختياراتك. لا تجعل أطفالًا أبرياء يدفعون ثمن سوء الاختيار، أو استحالة الاستمرار.
قد يقال: “قسمة ونصيب”. لكن دائمًا قسمتك ونصيبك بتشبهك.
ربنا بيديك قدر نيتك، فلا تعلّق كل شيء على القسمة والنصيب!
هذا هو التفكير خارج الصندوق، أن نبحث عن حل يدعم الاستقرار، لا يؤدّي إلى الفوضى والخراب والانفصال، كما يحدث الآن في حرب السودان.
لاحظت أننا عندما نتعاقد مع أي مدرب، نرفعه للسماء، ونعتبره الحل والمخرج. كما يفعل الأهلاوية الآن مع عماد النحاس، رغم أنه مدرب قليل الخبرة، لم يحقق إنجازًا يُذكر، حتى الأهلي نفسه عيّنه مؤقتًا، أو كلفه فقط، ومع ذلك احتفوا به.
قارنوا بينه وبين سلفه كولر، الذي حقق 11 لقبًا مع الأهلي خلال عامين ونصف، ثم نسوا كل ذلك، وبدأوا يتحدثون عن وقفة اللاعبين، وعن الإجازات التي منحها لهم، وعن محاربته لبعض الأسماء مثل محمود كهربا.
كأنهم نسوا أن نفس هذه الممارسات بالأمس كانت عناصر نجاح، واليوم صارت عناصر فشل.
قصدت من ذلك أن أقول إن نفس الصفات — الصرامة، الانضباط، الشخصية القوية — تُعتبر ميزات عند الفوز، وعيوبًا عند الخسارة.
يعني، “المدرب حاد شوية”، “ما عنده لباقة”، “ما مرن” — هذه صفات تُرفع عند النجاح، وتُذم عند الفشل.
بالمناسبة، كلمة “دواليك” دي أنا ما بستعملها إلا في “الشديد القوي”!
ما عندي علاقة شخصية بفلوران. وعلى المستوى الشخصي، ما فارقة معاي يشيلوه أو يخلّوه.
لكن مشكلتي في المبدأ.
إذا ما تخلّينا عن التفكير القائم على الإطاحة بعد كل إخفاق، ما حننجح، وإن نجحنا، فسيكون نجاحًا عشوائيًا، فوضويًا، هشًا، بلا قواعد ولا مؤسسية.
أنا عايز نجاح قائم على خطة، على قيم، على مبادئ.
قد نكون بعيدين عن ذلك، لكن علينا في الإعلام أن ندعو إليه.
قد لا نقدر على أن نفعل “الصحيح”، لكننا بالتأكيد يجب ألا نصفّق لـ “الغلط”.
خلافي مع الدكتور علي عصام، أنه جعل الأزمة كلها في فلوران.
يشعرني وكأن إقالة فلوران أصبحت عنده قضية شخصية.
يتحدث عن أرقام إخفاقات فلوران، لكن لو كانت فعلاً بهذا السوء، ما كان الهلال وصل إلى ما وصل إليه.
علي عصام يقلل من شأن مهارات جان كلود وكوليبالي وغيرهم، ويعتبر تألقهم لا علاقة له بالمدرب. كأنهم جاؤوا للهلال “قسمة ونصيب”، بلا تخطيط، ولا اكتشاف، ولا تدريب.
لكن عندما يُستغنى عن لاعب، يكون فلوران هو السبب!
المعيار مقلوب، “البمشي السبب فلوران، والبقعد قسمة ونصيب”!
فلوران، رغم كل الانتقادات، صنع متعة كبيرة للهلال. مباريات خاضها الهلال بقيادته ستظل خالدة.
أما أخلاقيًا، فلا أعتقد أن الهلال مرّ بمدرب بهذه الأخلاق العالية.
مدرب استمر مع الهلال في هذه الظروف القاسية، بينما غيره هرب في ظروف أفضل.
يجب أن يُقابل هذا الوفاء بالعرفان لا بالجحود.
اللاعب يعرف المدرب الشاطر من “الكيسو فاضي”.
وأراهن بعد عشرين سنة، حين يُسأل أي لاعب من هذا الجيل عن أفضل مدرب، سيذكر فلوران.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.