
ليس العنف ولا السلم سلوكا فطريا مطلقا يولد به الإنسان ويلازمه بل هما احتمالان كامنان في داخله تظهر أيٌّ منهما وفق البيئة التي تحيط به، وتغذي أحد الاتجاهين على حساب الآخر. فالإنسان كائن مرن يتكيف مع ماحوله ويستجيب لما يُزرع فيه من محفزات نفسية واجتماعية وثقافية في البيئات التي يسودها الأمان وتقل فيها معدلات القلق والتوجس تترعرع النزعة السلمية ويجد الناس في الحوار والتفاهم سبيلا لحل خلافاتهم. أما حين يستفحل الخوف وتتكرر مشاهد العدوان والتمييز والظلم، فإن العنف يصبح أداة تبدو زيفا مشروعة أو ضرورية للبقاء أو للردع الطفل على سبيل المثال لا يولد عنيفا ولا مسالما لكنه ينشأ على ما يشاهده ويعيشه. إن نشأ في بيئة تُعلي من شأن الاحترام والحوار، نما بداخله ميلٌ طبيعي للسلم. أما إن نشأ في محيط تغذيه مشاهد الضرب والقهر والحرمان فستكبر داخله بذور العنف، حتى وإن لم يُظهرها مباشرة.
ولعل المجتمعات الخارجة من الحروب خير شاهد على هذا التحول. فكثير من ضحايا الصراعات لا يعودون إلى السلم لمجرد انتهاء إطلاق النار بل يبقى العنف كامنا في دواخلهم ينتظر ظروفا جديدة لينفجر من جديد. بالمقابل فإن بناء بيئة جديدة قائمة على العدالة والطمأنينة يمكنها أن تروي جذور التعايش والاحترام وتعيد الإنسان إلى حالته الإنسانية الأصلية الميل إلى السلم إن مسؤولية المجتمعات والمؤسسات التربوية والإعلامية ليست في مكافحة العنف فقط، بل في صناعة بيئة تضعف دوافعه وتقوي جذور السلم لا بالشعارات وإنما بترسيخ القيم وبناء العدالة وتوفير الأمن وضمان الكرامة للجميع
فالسلم ليس ضعفا والعنف ليس شجاعة كلاهما إمكانيتان في داخل كل إنسان لكن البيئة هي من تختار أيهما تستدعي