
د. سلمى نايل
في بلادٍ تصرخ جدرانها من الألم، وتئن أزقتها تحت وطأة الرصاص، يقف المواطن السوداني كجدارٍ مهدم، يتلقى الطعنات من كل صوب.
لا ذنب له إلا أنه فقير، مُعدم، ساقته أقدامه المنهكة إلى حيث يحتمي بجدار متهالك من جيش أو دعم سريع، أملاً في النجاة من موتٍ عابر.
لكن لا نجاة في أرضٍ يطاردك فيها الموت بألف وجه.
إن أقام بين ظهراني الدعم السريع، حُكم عليه بالعمالة والخيانة من قبل الجيش.
وإن لجأ إلى مناطق الجيش، ألصق به الدعم السريع تُهمة الجاسوسية لفلول الكيزان.
وفي الحالتين، يصبح دمه مستباحاً، وعمره رخيصاً، ورأسه ثمناً لتصفية حسابات لا يعرف عنها شيئاً.
تطارده القذائف ككلاب مسعورة.
تحرقه النيران العشوائية كأن لا حق له بالحياة.
وإذا ما أفلت من ركام البيوت المنهارة، فإن رصاص الغدر يتربص به في زاويةٍ ما، باسم تهم ملفقة، ومحاكم ميدانية لا تعرف للعدل اسماً ولا عنواناً.
كم من أمٍ بكت ولدها الذي خرج بحثاً عن لقمة ولم يعد؟
كم من أبٍ احتضن جسد ابنه المسجى في الشارع، بينما القتلة يتبادلون التهم ويتقاسمون الضحايا؟
كم من روح بريئة ذهبت سدى، لا لشيء إلا لأن الموت صار أرخص من الهواء؟
يا سادة العالم،
يا من تتشدقون بالإنسانية،
يا من تبكون علينا من خلف الشاشات،
نناشدكم لا بالبكاء، بل بالتحرك.
نناشد ضمائركم التي ربما لم تمت نبعد:
أوقفوا هذه الحرب!
أوقفوا هذا العبث قبل أن تبتلع النيران كل حجر وشجر وبشر!
أنقذوا ما تبقى من إنسانية على هذه الأرض السودانية الطاهرة.