
بقلم : طارق عبد اللطيف أبوعكرمة
مقدمة:
في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية، أصبح التضخم واقعًا يؤثر على معيشة الشعوب في مختلف البلدان، لكن هناك شكلًا من التضخم لا يتم الحديث عنه كثيرًا، وهو التضخم المقنّع (Shrinkflation & Skimpflation). يعد أحد أخطر أشكال التضخم، حيث تُخفي الحكومات والشركات الحقيقة عن المستهلكين عبر تقليل حجم المنتجات، وخفض جودتها، أو فرض رسوم غير مباشرة، بدلًا من رفع الأسعار بشكل واضح. هذه الظاهرة تجعل المستهلك يدفع المزيد مقابل أقل، دون أن يدرك حقيقة ما يحدث. لكن كيف يمكن مواجهة هذه الممارسات وكشفها؟
كيف يحدث التضخم المقنّع؟: يأخذ التضخم المقنّع عدة أشكال، منها:
تقليل حجم المنتج بنفس السعر (Shrinkflation): وذلك من خلال تخفيض كمية السلع (مثل السكر، الدقيق، الأرز) دون تعديل السعر. وتقليص حجم عبوات المشروبات أو المنتجات الغذائية.
خفض الجودة دون إعلان ذلك (Skimpflation): ويتمثل في استبدال مكونات ذات جودة عالية بأخرى أقل تكلفة. أو استخدام مواد أرخص في الصناعات الغذائية والدوائية.
فرض رسوم إضافية غير معلنة: ويتمثل في رفع تكلفة الخدمات الحكومية أو البنكية دون إعلان مسبق. أو فرض رسوم خفية على الفواتير والمعاملات الإلكترونية.
إبطاء الخدمات أو تقليل كفاءتها – مثل تقليل عدد الموظفين في المؤسسات الخدمية، مما يزيد وقت الانتظار ويقلل جودة الخدمة.
كيف يتم استخدام التضخم المقنّع في السودان؟: في السودان، حيث يعاني الاقتصاد من اضطرابات حادة، يتم تطبيق التضخم المقنّع بعدة طرق، منها:
تراجع جودة السلع الأساسية مثل الخبز، حيث تقل نوعية الدقيق المستخدم مع الحفاظ على نفس السعر.
تقليص وزن السلع الاستهلاكية كالألبان والسكر والزيوت دون إشعار المستهلكين.
فرض رسوم إضافية غير معلنة على خدمات حكومية وبنكية لتغطية العجز المالي.
تدهور الخدمات الصحية والتعليمية مع رفع الرسوم أو خفض كفاءة الخدمة.
تأثير التضخم المقنّع على الاقتصاد والمستهلكين: ويتمثل ذلك في التالي:
تآكل القدرة الشرائية للمواطنين دون إدراكهم الفوري لحجم التكاليف الإضافية.
انخفاض مستوى المعيشة حيث يدفع المستهلك نفس السعر مقابل خدمة أو منتج أقل جودة.
فقدان الثقة في السوق نتيجة شعور المستهلكين بالخداع المستمر.
كيف يمكن للمستهلكين حماية أنفسهم؟: وذلك من خلال:
مراقبة الأسعار والأوزان والجودة بانتظام.
الضغط على الجهات الرقابية لتشديد القوانين ضد التضليل التسويقي.
الاعتماد على بدائل محلية أو مستقلة لمواجهة هذه الممارسات
كيف يمكن مواجهة التضخم المقنّع؟ يتم ذلك من خلال التالي:
رفع الوعي الجماهيري: بمتابعة الأخبار الاقتصادية وتحليل تغيرات الأسعار والحجم والجودة. وإطلاق حملات توعية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
تعزيز الشفافية في الأسواق: وذلك بفرض قوانين تلزم الشركات بالإفصاح عن أي تغييرات في حجم أو جودة المنتجات. إضافة الى إنشاء مؤشر وطني للأسعار والجودة لمراقبة تغيرات السلع والخدمات.
تقوية الرقابة الحكومية: وذلك بتشديد الرقابة على الشركات والمصانع لمنع الغش التجاري. وإجبار الشركات على توضيح أي تغيير في الوزن أو الجودة على العبوات.
تفعيل دور المستهلكين في المحاسبة: وذلك بالإبلاغ عن حالات الغش التجاري عبر منصات حكومية أو منظمات مدنية. ودعم المنتجات والشركات التي تحافظ على الشفافية والمصداقية.
تشجيع المنافسة العادلة: وذلك بتعزيز المنافسة بين الشركات لضمان تقديم أفضل جودة بأفضل سعر. ودعم المشروعات الصغيرة التي تقدم بدائل عادلة للمستهلكين.
الخاتمة: يعد التضخم المقنّع مشكلة حقيقية تخدع المستهلكين وتجعل الأزمة الاقتصادية أقل وضوحًا لكنها أكثر تأثيرًا. إذا لم يكن هناك وعي جماهيري ورقابة صارمة، فسيظل المواطن يدفع الثمن من دون أن يدرك حجم الخسارة الحقيقية.