أربعون انتفاضة مارس- أبريل : موعد مع التاريخ

بقلم: عبدالله رزق أبوسيمازه

ثمة صلة تربط انتفاضة مارس – ابريل ، 1985 ،بانتفاضة أكتوبر 1964، فالأولى، يمكن اعتبارها امتدادا تاريخيا، للثانية. وقد تواترت الإشارة لما هو جوهري في تلك الصلة، بتأكيد قدرة الشعب السوداني، على الإطاحة، بنظامين عسكريين، في أقل من عقدين من الزمان، عبر النضال السلمي، كحدث نادر في التاريخ، تاريخ بلدان العالم الثالث، بشكل خاص.إذ أن تجذر الثورة في ثقافة الشعب السوداني السياسية، كان مصدر إلهام انتفاضة ثالثة في مواجهة حكم الإنقاذ الإسلاموي، في سبتمبر 2013، وبنجاح كبير في ديسمبر 2019 ، في الإطاحة برأس النظام. وقد بدا تاريخ سودان ما بعد الاستقلال، في نظر العديد من المراقبين، بمثابة دوران في حلقة مفرغة : انقلاب – انتفاضة – انقلاب …الخ. لكن هذه الرؤية، تفصح، من جانب آخر، عن تصميم الشعب السوداني على رفض الديكتاتورية العسكرية، وعدم قبوله بأقل من الديموقراطية والحكم المدني. فبعد أربعين عاما، من الإطاحة بحكم جعفرالنميري، الدكتاتورية العسكرية الثانية، تعود الانتفاضة، لتتسيد الشارع، مجسدة إرادة الشعب في مواجهة حكم عمر البشير، الديكتاتورية العسكرية الثالثة، بالشعارات نفسها، بتكتيك وواجهات مختلفة .
إن دروس الانتفاضات لم تكن قاصرة على الشعب، وطلائعه الثورية، فقد عملت قوى الثورة المضادة، على الاستفادة، أيضا، من تلك الدروس، وتوظيفها لقطع الطريق أمام تطور الثورة نحو تحقيق أهدافها. وقد تجلى ذلك كأوضح ما يكون، في التدابير التي تبنتها الإنقاذ (1989 – 2019) ، بدء من حل النقابات والأحزاب وتعطيل الصحف ومصادرة المجتمع المدني، حتى تطهير الخدمة المدنية والعسكرية من العناصر غير الموالية، والطليعية، وإعادة صياغة المجتمع والدولة وفق رؤية للتمكين، تستأصل، للأبد، المعارضة واحتمالات الانتفاضة والثورة. غير أن انتفاضة ديسمبر 2019 ، التي فاجأت الجميع، بزخمها وعنفوانها، في مواجهتها الجسور لنظام الإنقاذ الإسلاموي، وآلته القمعية، ونجاحها في فرض تغيير في قمة النظام، لم تكن غير استدعاء واستعادة لتقاليد الثورة، منذ أكتوبر، التي تبعد الآن، بما يزيد قليلا عن الستين عاما، مرورا بانتفاضة مارس – أبريل، قبل أربعين عاما ،( حتى انتفاضة اللواء الأبيض، ربما، قبل قرن من الزمان ) ، ولشعاراتها، وفي مقدمتها الحرية والديموقراطية، ضمن ظروف مستجدة، وفي مجرى صراع لم ينته منذ ذلك الحين، بين قوى التغيير والديموقراطية، من جهة، وقوى الردة والرجعية، من الجهة الأخرى. فالاحتفاء الحقيقي بأربعين انتفاضة مارس – أبريل، الذي هو احتفاء بذكرى الانتفاضة الملهمة، الرائدة، 21 أكتوبر 1964، يكمن في الحراك الثوري الجاري، في المواجهة المتصلة منذ ديسمبر 2019 ، بين الشعب وطلائعه الديموقراطية، والثورية، من جهة، وبين قوى الردة، التي تسعى لإعادة نظام الإنقاذ ، وقطع الطريق أمام الانتقال الديموقراطي، ابتداء من انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وانتهاء بالح-رب، التي أشعلتها تلك القوى ، في 15 أبريل 2023. لقد عبر الشعب السوداني، وطلائعه، وسط القوى الحديثة، من العمال وفسيفساء البرجوازية الصغيرة، في المدن والمراكز الحضرية، وضحايا الصالح العام والعاطلين عن العمل، عن حيوية غير متناهية، في مقاومة الردة، استنادا على الموروث الثوري، من تقاليد النضال السلمي والديموقراطي . فبفضل ثقته في نفسه وفي قدراته، والرهان عليها، وعلى ما يتوفر عليه من استعداد غير محدود للتضحية من أجل بلوغ أهدافه وتطلعاته المشروعة، يمكن التقرير بأن الشعب السوداني على موعد، مرة أخرى، مع التاريخ.