هذا وبعد.. التطبيع بين القرارات الفوقية والإرادة الجماهيرية بقلم: ياسر عوض الزين

ظلت عبارة التطبيع، على خطئها وشيوعها، مصطلحاً سياسياً دالاً على علاقة أياً من أقطار الوطن العربي والعدو الصهيوني.

فالتطبيع اصطلاحاً يعني إعادة الشئ إلى طبيعته، وبالقطع لم تكن هناك أية علاقات طبيعية بين العدو الصهيوني وأي قطر عربي، وبشكل أكثر قطعاً السودان الذي ظل على موقف مستقيم منذ مشاركة متطوعيه في حرب 48، حتى قبل الاستقلال واللاءات الثلاثة، وقبل كل ما تدعيه بعض الجهات اليوم.

قبل سقوط النظام البائد رشحت بعض المعلومات عن لقاءات لبعض مسؤوليه، وأهمهم قوش، مع مسؤولين صهاينة بشكل سري، ضمن سلسلة الصفقات المشبوهة التي كان يبرمها النظام وقتها تحاشياً للسقوط الذي بات وشيكاً آنئذ.

ثم بعد السقوط، وبشكل مفاجئ، حملت الأنباء خبراً مزلزلاً للمشهد السياسي في السودان، وصادماً لجماهير الشعب السوداني، حين أعلنت قناة صهيونية عن لقاء عنتيبي بين برهان، ونتنياهو، وكان وقتها رد فعل الشارع رافضاً لهذا التوجه الغريب، والشاذ، حيث تساءل الجميع عن الدوافع، وهل لهذه السلطة صلاحية لهكذا قرار، من ناحية، ومن ناحية أخرى، كانت الدهشة حول جهرية هذه الخطوة حين كان النظام البائد، والذي كان لا يأبه أصلاً للجماهير ولا يحفل بموقفها، لأنه كان يمرر سياساته بوسائله القمعية المختلفة، إلا أنه لم يجرؤ على الجهر بمثل هذه الاتصالات واللقاءات وكان يعقدها سراً، بما يعني أنهم حسبوا أن رد فعل الشعب سيكون أكبر من قدرتهم على التصدي له وقمعه، ولكن للأسف فإن مجموعة قد اختطفت قلم سلطة الثورة ووقعت به على هذه الخطوة الكارثية.

وحاولت تبرير ذلك بجملة مبررات سائلة لا تقوى على الانتصاب في مواجهة السؤال البسيط، كيف لسلطة الثورة، والتي تقدم شعاراتها بالحرية والسلام والعدالة، كيف لهذه السلطة أن تتنكر للحق الثابت للشعب الفلسطيني في أرضه، وتضع يدها في يد المحتل الغاصب القاتل، وكيف لشعب مناضل كالشعب السوداني أن يتخلى عمن يناضل لاسترجاع حقه، ويدير ظهره لرفقة نضال استمرت لأكثر من 70 عاماً، في الوقت الذي يثور فيه شعب جنوب أفريقيا ضد استمرار علاقة بلاده بالعدو الصهيوني، والجميع يتذكر قول مانديلا يوم استقلال جنوب افريقيا وتحررها من نظام ال(Apartheide) المناظر لنظام العدو الصهيوني العنصري البغيض، حين قال (سيظل استقلال جنوب افريقيا ناقصاً حتى تتحرر فلسطين)، في إدراك واضح لارتباط النضال الإنساني، لأجل الحق والوطن، وعدم إمكانية الفصل العضوى بين مناضل ومناضل.

لقد حاولت الجهة التي اختطفت صوت السلطة بشتى السبل عبر أبواق وأرزقية كثر التسويق لهذه العملية البائسة، إلا إنها جميعها فشلت حد الفشل، سواء عبر خلق ظروف معاشية خانقة من خلال صفوف الرغيف، والجاز، والبنزين، والغاز، وغيرها، وتقديم التطبيع بوصفه تميمة الخلاص، وإنه تذكرة العبور إلى عوالم الرخاء والحياة الرغيدة، إلا أن الشعب وبفطرته لم يكن مقنعاً له حتى إن صح (ولن ولم يصح) القول أن مفتاح النجاة هو إدارة ظهرنا للشعب الفلسطيني ومصافحة قاتليه، وفوق ذلك فالشعب السوداني لن ينسى أن العدو هو المتسبب الرئيسي في فصل الجنوب، وعمله المنظور الآن لفصل مناطق أخرى من السودان، كمخطط تفتيتي صرح مؤسسو دولة العدو انه الشرط الوحيد اللازم لبقائها وديمومتها، مضافاً لذلك وقوع السودان ضمن المجال الحيوي لخريطة ما يسمى (بدولة إسرائيل الكبرى) التي لاتحتمل إلا اليهود وعبيدهم، وبما أن الشعب السوداني ليس يهوداً ولا عبيداً لأحد؛ فيستحيل اذاً أن يجتمع مع من يسمون أنفسهم شعب الله المختار في دولة واحدة. ومضافا لكل ذلك فقد اثبتت التجارب ان العلاقة مع العدو الصهيوني علاقة مصلحة ذات اتجاه واحد وبالتالي يصبح من الغباء وضعف التدراك توقع نتائج مغايرة دون تغيير شروط هذه العلاقة ومرتكزاتها

وكل ذلك إنما يعني شيئاً واحداً إستحالة قبول الشعب السوداني بالتطبيع مع دولة عدوانية توسعية متوحشة تستهدف أمنه وسيادته ووحدته قبل أي اعتبارات نضالية أو إنسانية أخرى.

ولعل السلطة قد أدركت استحالة إنزال التطبيع على الشعب السوداني من أعلى دون إرادة جماهيرية، فها هي تبطئ اندفاعها السابق نحو التطبيع، ولعل غيابها عن اجتماع وزير خارجية أمريكا بلينكن مع وزراء خارجية الأقطار التي طبعت مثل المغرب والبحرين والإمارات، احتفالاً بسنوية التطبيع، إشارة واضحة لأنه حتى شركاء ما سمي وقتها باتفاقات ابراهام لم تكن إلا قراراً فوقياً معزولاً، مثله واتفاقيات السلام التي وقعتها بعض الأنظمة العربية، والتي لم تتمكن من إضافة أي عمق شعبي لها ولم تتجاوز المكاتب والابتسامات الصفراء البليدة، والمخاطبات الجامدة.

#فلسطين قضية أمن وطني ولست قضية خارجية.

#العدو الصهيوني مسؤول عن فصل الجنوب وكل جرائم التفتيت الجارية الان