
لقاء جريدة الهدف مع الأستاذ شمس الدين أحمد صالح خميس، عضو قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومسؤول تنظيمات الحزب بدارفور
مقدمة:
ولد الأستاذ شمس الدين أحمد صالح في جبل مرة، غربي السودان، ونشأ وتربى فيها، وعرف منذ صباه، إنسانها، واقعه وتطلعاته، جبالها ووديانها، لذلك حين اندلعت الحرب التي زادت أوارها جماعة الحركة الإسلامية بعد استيلائها على السلطة بانقلاب 30 يونيو، أضحى السلام وإفرازات تطاول أمد الحرب واحدة من أهم اهتماماته الأساسية، والتي جاب في سبيلها جبال ووديان وصحارى دارفور، وتعرض للاعتقال مراراً، ولمحاولات التصفية الجسدية، التي أكدت نجاته منها أن الأعمار بالفعل بيد القوي القهار وكان وما زال من أشد المدافعين عن قضايا التعليم وعن حقوق زملائه المعلمين في جميع المحافل، إلى جانب ذلك عمقت تضحياته ومساهماته الفكرية والسياسية، وعي رفاقه، إلى انتخابه إلى قيادة القطر في المؤتمر السادس في أغسطس 2013م، ليتصدى مع رفاقه إلى مهمة توسيع وبناء تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في دارفور، رغم الحرب والدكتاتورية، وتهييج الولاءات ما دون الوطنية ومحاولات قوى التصعيد والتصعيد المضاد، حرف الصراع السياسي، الاقتصادي الاجتماعي، عن مجراه وإضفاء طابع عنصري-قبلي عليه*.
*تسلحه بالفكر القومي التقدمي الاشتراكي وبمنهج البعث العلمي الجدلي الحضاري، مكنه من رؤية حل الأزمة في دارفور، والحرب، أسبابها وإفرازاتها، كجزء من تعبيرات التطور غير المتوازن، والتي لا تحل من منابتها، إلا سلمياً، وفي إطار حل الأزمة الوطنية الشاملة ديمقراطياً، “الهدف” تلتقيه لقاء المكاشفة والشفافية والصراحة، فإلى مضابط اللقاء:
الحلقة الأولى:
كيف ترى الأوضاع في دارفور منذ زوال النظام السابق حتى الآن؟
بالطبع السودان كله بعد زوال النظام السابق دخل في وضع مختلف تماماً، سواء كان الارتياح النفسي لدى المواطن بسبب زوال النظام الديكتاتوري المستبد، أو استعادة الحياة الديمقراطية، والدخول في عهد وطني جديد… الخ، ودارفور كجزء من السودان لا تختلف الأوضاع فيها عن سائر مناطق السودان الأخرى بشكل عام، إلا أن لإقليم دارفور خصوصيته باعتباره كان أحد مناطق الحروب، والعمليات العسكرية بين النظام المباد، وقوى الكفاح المسلحة، وبعد سقوط النظام، أدى توقف تلك الحرب اللعينة إلى تبدل في البنية السياسية، والقانونية، والأمنية، واختفت الكثير من مظاهر الحرب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتعطلت، أو ألغيت القوانين الاستثنائية التي كانت تفرض بذريعة الحرب، وبأن دارفور مناطق عمليات عسكرية، وكانت هذه القوانين سيفا مسلطا على رقاب المواطنين بواسطة مليشيات النظام المباد.
ولكن الآن مظاهر الحرية وسيادة حكم القانون هي السائدة بالمجتمع.
ما رأيكم في منهجية المفاوضات التي يتم التعامل بها في مفاوضات جوبا؟
في بداية المفاوضات في جوبا طرحنا عدد من الأسئلة، توضح المنهجية التي يمكن أن تتيع في حل قضيه الحرب، وفي سياق الإجابة على هذا السؤال، نعيد ذكر تلك الأسئلة؟
1- هل نريد فعلاً أن نحقق سلاماً عادلاً وشاملاً ومستداماً، وذلك بمخاطبة المشكلة السياسية والاجتماعية في السودان، أم نريد توزيع الحقائب الوزارية بمؤسسات السلطة الانتقالية؟
2- هل نريد فعلاً إنهاء التهميش الاجتماعي، والسياسي، والجغرافي، أم نريد اغتنام الثروة بين النخب الحاكمة؟
3- هل نريد سلاماً اجتماعياً يحقق الوئام الاجتماعي بين مكونات الشعب جميعأ، ومعالجة آثار الحرب الممثلة على سبيل المثال في (النزوح، واللجوء، وقضايا الأرض، والأملاك.. الخ) بمصفوفة “صناعة السلام”، أم نريد تفاهمات بين المتحاربين والحكومة الانتقالية؟
4- هل نعمل جدياً على أن نفصل بين معالجة تداعيات الحرب، مع اللجوء والنزوح وقضايا الأرض والأملاك، وجبر الضرر وبين تصورات القادة في الكفاح المسلح؟
5- هل نريد ادماج المحاربين، مع قوات الشعب المسلح أم بالمجتمع، أم نريد إضافة مليشيات جديدة إلى القوات المسلحة؟
6- قبل هذا وذاك، هل المتحاربين والمتفاوضين مهيئين نفسياً وذهنياً على أنهم شركاء وأنداد في الاسم الوطني، وفي المسئولية الأخلاقية لتحقيق السلام العادل والشامل، وأنه ليس من بينهم من يعطي، ومن يمنع، كما كان الحال في السابق، في عدد من المحاورات بين النظام المقبور وبعض فصائل الكفاح المسلحة قبل الانتفاضة الثورية.
وعليه إن صحة المنهجية الآن بجوبا من عدم صحتها، تكمن في القدرة على الإجابة، على هذه الأسئلة المطروحة.
عدم انضمام حركه عبد الواحد نور، هل سيؤثر على السلام برأيكم؟
أكيد سيؤثر على مخرجات السلام، لأن السلام لن يكن شاملاً، إذا ظل أحد الفصائل خارج العملية السلمية. ومن هنا أنا أناشد القائد عبد الواحد أن يستجيب إلى نداء السلام، من أجل الوطن، ومن أجل المشردين، ومن أجل المواطنين، والمناطق التي ظلت معزولة عن أجزاء أخرى من البلاد منذ 2003م، لأن البيئة السياسية، والقانونية، والأمنية، اختلفت عما كانت عليها، وبالتالي تحل القضية بالحوار، وبالأخذ والعطاء، وليس ذاتياً أو بمن حضر.
هنالك اشكاليات كثيرة بين قوى الثورة، في بعض ولايات دارفور، نرجو الإضاءة حول أسبابها، والجهد المبذول لتجاوزها؟
نعم هناك اشكاليات بين قوى الثورة في ولايات دارفور، وهذه الاشكاليات تكمن في اختلاف وجهة النظر، فمثلاً بعض فصائل الجبهة الثورية، تنظر أن تجمد العملية السياسية، أو الحراك السياسي بالإقليم، إلى أن يتم السلام، وكان هذا سبب إلغاء ندوة الحرية والتغيير بالفاشر، التي كانت من المفترض يتحدث فيها الأصم وغيره، كذلك ندوة هيئة محامي دارفور بنيالا، وكذلك هنالك اشكاليات في ولاية وسط دارفور بين مكونات الثورة، لوجود تجمع مهنيين (أ) ضم كتل الحرية والتغيير، وتجمع (ب) خارج هذه الكتلة، وبدأ هذا النزاع منذ اعتصام القيادة بزالنجي، بعد 11 أبريل، وزادت الفجوة بين التجمعين ومن ثم بين الحرية والتغيير، والتجمع (ب)، وساعد وجود حركة عبد الواحد بكثافة داخل معسكرات النزوح، وهم حركة خارج قوة الحرية والتغيير تنظيمياً، والعامل القبلي بالمنطقة، وتأثير بعض عناصر النظام المباد على قوى الثورة، كل هذه العوامل، ساعدت على تباعد المسافة والفرقة بين مكونات الثورة، وكذاك نهج الحاكم العسكري في إدارته للولاية، وانعكس كل ذلك في الواقع السياسي بالولاية.
لذلك من الضرورة وصول وفد من الحرية والتغيير بالمركز إلى ولاية وسط دارفور، للوقوف على الخلافات الموجودة بالولاية ومعالجتها، لأنها تنذر بالخطر، والمستفيد الوحيد من تلك الخلاقات هو عناصر النظام البائد.
وحتى اذا تم السلام من الصعب إزالة التمكين في وسط الخلافات الموجودة بين مكونات الثورة.
رغم توقف الحرب فعلياً، فما زالت دارفور تنزف، (أحداث الجنينة – ميرشنج – زالنجي – مورني… وكثير من الأحداث اليومية) عدا الاعتداءات المسلحة، ما رؤيتكم لإيقاف هذا النزيف؟
طبعاً لا نتوقع أن تنتهي كل مظاهر العنف في وقت واحد، لأن افرازات الحرب، مع انتشار السلاح والكراهية، وروح الثأر، وثقافة العنف لا تنتهي بين يوم وليلة، وكذلك لا نتوقع دولة خالية من الجريمة، ولكن العبرة بقدرة الدولة على احتواء هذه المظاهر السالبة، ومعاقبة الجناة بالقانون، وعدم الافلات من العقاب، كما كان سائداً في العهد البائد، لدرجة أن فتح البلاغ ضد مليشياته كان ممنوعاً، ناهيك من المطاردة والقبض عليهم، لنصرة المظلوم، لذلك أصبح الأمن الآن مسؤولية الجميع، ومن مبدأ الأمن مسؤولية الجميع، فعلى الجميع نشر ثقافه السلام، وعقد المصالحات البينية، بين مكونات المجتمع، والعمل بالقانون، وعدم تحويل الجرائم الفردية، إلى عقل جمعي بين مكونات المجتمع، الذي يحدث انقلاب الوعي، ويقتل الناس على أساس الهوية والانتماء القبلي.
كذلك الأمور المهمة إن اقليم دارفور في حاجة مهمة إلى جمع السلاح فعلياً من المواطنين، وزيادة عدد قوات الشرطة، وتزويدهم بالمركبات وأجهزة اتصال متقدمة، حتى تستطيع السلطات بالإقليم أداء دورها في حفظ الأمن، والطمأنينة، وكذلك العمل على حل مشاكل البطالة، وحل اشكاليات المزارع والراعي، وكل المظاهر التي تؤدي إلى خلق تفلتات في المجتمع، وسرعة استجابة المسؤولين للأحداث، والآن المناخ مؤاتي، وفي ظل الحرية والديمقراطية، يمكن أن تلعب المنظمات الشبابية، ولجان المقاومة والأمن بالمحليات والوحدات الإدارية، دوراً فعالاً في التقليل من هذه المظاهر، وبالحوار البناء، والتفاعل الإيجابي يمكن حل هذه القضايا، لأن ليس هناك ما يمنع الاجتماع من أجل التفاكر حول قضايا المواطن في ظل مناخ الحرية، فالاجتماعات كانت ممنوعة في الفترة السابقة، وكان دور الشعب غائب عن إدارة شؤونه، وحل مشكلاته، والحفاظ على الديمقراطية هو المدخل الصحيح لتحقيق السلام وبنائه وحفظه على جميع الأصعدة.