كيف يصنع الإعلام السوداني صورة المرأة على الشاشة؟

صحيفة الهدف

 ريم بت أبوها

لطالما كان الإعلام مرآة تعكس الوعي المجتمعي، لكنه في كثير من الأحيان يصبح أداة لإعادة تشكيله وصناعة صورة محددة عن فئة أو دور أو فكرة. وفي حالة المرأة السودانية، فإن الصورة التي يقدمها الإعلام اليوم لا تبدو انعكاساً حقيقياً لواقعها أو حجم مسؤوليتها في زمن الح.رب، بقدر ما تبدو إعادة إنتاج لصورة استهلاكية سطحية، تُختزل فيها المرأة في الشكل لا في الأداء، وفي الحضور البصري لا في الدور المجتمعي.

رغم أن النساء في السودان يقفن اليوم في خطوط التعليم، والصحة، والمساعدات الإنسانية، وإدارة المبادرات، وحماية الأسر، وتحمل تبعات النزوح والانهيار الاقتصادي، تظهر المرأة على الشاشة في أغلب الأحيان عبر قالب محدود: غناء، حفلات، مسابقات ظهور، محتوى ترفيهي سريع، أو تسويق يعتمد على الجسد واللون والفلاتر التي تُجمّل ولا تُعبّر.

هذا النوع من المحتوى لا يُلام في وجوده، فالترفيه جزء من الحياة، لكن الخطورة تكمن في تحوله إلى الصورة السائدة، بينما تُهمّش النماذج المُلهمة التي تساهم في حماية المجتمع واستمراره.

اليوم، يتعامل الإعلام “التلفزيوني والرقمي” مع صورة المرأة بوصفها مرئياً جذاباً أكثر من كونها شريكاً معرفياً أو وطنياً. تُقدَّم المرأة كمنتج بصري، لا كفاعل فكري أو اجتماعي. وهذا لا يحدث مصادفة، بل بفعل خيارات إنتاجية تعيد تعريف قيمتها وفق معايير غير عادلة: الصوت الجميل، الشكل المقبول، الفلتر المناسب، والمحتوى السريع القادر على جلب المشاهدات.

لدرجة تأثر المرأة بهذا التعريف حتى بات كل اهتمامها بمظهرها الخارجي وجسدها وإبرازه بدلاً من إبراز ممكناتها الفكرية والثقافية.

لكن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. المرأة السودانية ليست ظاهرة على الشاشة، بل واقعاً على الأرض. هي التي تعلم الأطفال تحت الأشجار، وتدير عيادات مؤقتة، وتوثق الانتهاكات، وتطهو للنازحين، وتُبقي الأسر متماسكة في وقت يتداعى فيه كل شيء.

في ظل هذه المرحلة الحرجة، يصبح السؤال جوهرياً: هل الإعلام جزء من معركة الوعي والبناء؟ أم جزء من صناعة الوهم؟

الإعلام لا يُطلب منه أن يلغي الفن أو الترفيه، لكن المطلوب منه اليوم أن يوازن، أن يرى المرأة كما هي: مفكِّرة، صامدة، عاملة، قوية وضعيفة في الوقت نفسه، إنساناً كاملاً، لا صورة مُفلترة.

فالمرأة السودانية ليست مجرد حضور جميل أمام الكاميرا، بل صوت قادر على إعادة تشكيل مستقبل وطن يحتاج إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.

#الإعلام_السوداني #المرأة_السودانية #صورة_المرأة_في_الإعلام #وعي_مجتمعي #صناعة_الوهم #ملهمات_سودانيات #ملف_المرأة_والمجتمع #ريم_بت_ابوها

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.