بقلم: صلاح الدين ابوالقاسم
لم تفشل الثورات العربية لأن الشعب العربي عاجزًا أو غير راغب في التغيير، بل لأنه واجه منظومة عميقة عملت، عبر عقود طويلة، على تعطيل العقل الجمعي وتجفيف منابع الوعي. فالطغاة لا يحكمون بالقوة وحدها، بل بخلق بيئة ذهنية واجتماعية تجعل المقاومة عملًا معزولًا، وتجعل الاستسلام خيارًا “طبيعيًا”.
أخطر ما واجهه الشعب العربي كان التوظيف السياسي للتراث الديني، حيث جرى تكريس الطاعة العمياء كفضيلة، وتصوير الاحتجاج على الظلم كفتنة، وقراءة القدر بوصفه سقفًا يمنع الفعل. هكذا تحوّل الدين، في بعض قراءاته، إلى أداة تصنع مواطنًا اتكاليًا ينتظر الخلاص ولا يصنعه، وتزرع في الوعي الجمعي ثقافة الانتظار بدلًا من ثقافة المبادرة.
بهذه المعادلة المختلّة، وُلدت ثورات بلا قاعدة فكرية صلبة، تتقد عاطفيًا وتُجهض سريعًا، لأن الأرض، التي تُبنى عليها لم تُنقَّ بعد من رواسب الاتكالية ومن إرث طويل من شرعنة السكون.
اليوم، تبدو مهمة التحرر في جوهرها مهمة استعادة الوعي:بثورة ثقافية تعيد قراءة الدين بروح العصر، لتحريره من الاستغلال السياسي، وتأسيس عقل جمعي قادر على الفعل لا الترقب. فقبل إسقاط الطغاة، يجب إسقاط البنية الذهنية التي استندوا عليها.

Leave a Reply