د.أشرف مبارك
شدّتني نصوصه في الملف الثقافي، شدّني حضوره وهو يطلّ من صفحاته، أو يعبر بين أسطرٍ مبعثرة في أدغال الفيسبوك. رحيله جعل الذاكرة تستيقظ، تستعيد تلك الجمرات الصغيرة التي تركها صوته الشعري؛ ربما لأنها تشبه الوطن حين يتهدّل، وتشبه الإنسان حين يُؤذيه الحنين. “آه يا بلد”.. نداء للوطن آه يا بلد بديت مشواري بيك.. نداء عشق للوطن؛ لا يعلو صراخه ولا يخفت. يضع المطر والعصافير والخريف في ندوة واحدة، كأنه يعيد تركيب ذاكرة كما ينبغي أن تكون، لا كما صارت. “بيني وبينك”.. مسافة بين عاشق وبلده سرد الوطن المجروح.. طير العيد المضبوح.. رومانسية الشجن السياسي، لغة من يعرف أن الوطن يُحب ويُشتاق إليه، لكنه أيضًا يُساء إليه ويُقتل كل يوم.
-
“أسئلة ليست للإجابة”..نشيد الخراب السوداني هذا النص الطويل واحد من أهم ما كتب ياسر عوض. إنه قصيدة/ مرثية/ بيان.. نص لا يكتبه إلا من عاش الخراب وشاهده يتكاثر أمام عينيه. ينسج ياسر هنا أسئلةً كبيرة، أسئلة بلد بأكمله: هل البلادُ اختبارُ الذهول؟ هل النساءُ هنّ النساء؟ هل المطارات هي الوصول؟ أسئلة لا تبحث عن إجابة، بل تبحث عن ضمير. النص مكتوب بروح شاعر يرى الموت أمامه، لكنه لا ينحاز إليه؛ ينحاز للحياة، للنساء اللابسات السواد، للأطفال، للنيل، وللبيت الذي ضاع. وفي مقاطع كثيرة يصبح ياسر كأنه يكتب عن وطن ينهار أمام صمته وصمتنا: سنبني من هذا الحطام مدرسة، ونخيط جراح الوطن بالأغنيات.. هذه ليست جملة شعرية فحسب؛ إنها وصيّة.
-
“نوم قلق”.. هل رثى نفسه؟ هذا النص يبدو كنبوءة شاعر يشعر باقتراب العاصفة. يريد أن ينام.. لا نوم الوداع، بل نوم الطفل، نوم الهدنة: أريد أن يخفت في أذني صوت الموت.. أريد أن أنام مثل طفل.. يرثي الشاعر الوطن، ويرثي الذين ماتوا، لكنه في العمق يرثي نفسه. في النص حسرة كبيرة، وغربة أعمق، وتعب وجودي من الح.رب ومن الذين “يكرهون الحياة”. يكتب: كل دم هو نجم.. عندي كل الح.روب غباء.. لغةٌ فيها حكمة المتعبين، ورقة من عاش قلبه في العراء. ياسر يرحل.. ويترك الباب مفتوحًا على الأسئلة.
#ملف_الهدف_الثقافي #ياسر_عوض #د_أشرف_مبارك #نقد_أدبي #أسئلة_ليست_للإجابة #وصية_شاعر #شعر_سوداني

Leave a Reply