رفيق العمر.. وجهٌ كان يُشبه الدنيا حين كانت بخير
لم يمت ياسر اليوم. الذين يشبهون الضوء لا يموتون… هم فقط يتخفّفون من ثقل الجسد كي يمشوا خفافاً في سماءٍ أوسع.
لكننا نحن — أهل الأرض — نعرف أن الفقد ليس في رحيله، بل في الفراغ الذي تركه خلفه. فراغٌ لا يُملأ، لأن بعض الناس يُولدون ليكونوا (صلة) بين أشيائنا ومعانيها، بين أيامنا وطمأنينتنا… وياسر كان تلك الصلة.
رفيق العمر.. سِيرة الطيبين
ياسر… رفيق الجامعة، ورفيق الحياة، ورفيق الطريق الذي يشبهنا ونشبهه. كان يمشي كأنه يحمل فوق كتفه شيئاً من طيبة السودان القديمة، طيبة لا تُصنع… بل تُولد مع القلوب النادرة.
كان ياسر من النوع الذي إذا جلس، اطمأنّ المكان، وإذا ضحك، ضحكت معه الأشياء، وإذا قال كلمة، استقامت الأرواح من حوله.
لم يكن مجرد صديق… كان (مِرآةً) يرى فيها أصحابه نسخهم الأفضل. وكان (سنداً) يحمل عنهم أحمالاً لا يقولها الكلام. وكان (إنساناً) بالمعنى الذي نقرأه في الكتب ولا نراه في الطرقات كثيراً.
سفر في غُربة… والأثرُ باقٍ
ورحل… رحل في غُربةٍ تشبه قسوة هذا الزمان، لكن الله لا يختار الموت إلا في اللحظة التي يكون فيها العبد أثقل بالخير، وأخفّ بالدنيا.
رحل ياسر، وبقي أثره. والأثر يا صديقي أقوى من العمر، وأصدق من التاريخ، وأبقى من الوجوه.
سيكبر الحزن حولك هذه الأيام، لكن داخلك شيء أقوى من الحزن: ذاكرة الضوء.
اذكر ياسر كما عرفته: إنساناً يسعى ليُمَرِّر الخير من يده إلى يد غيره… دون أن ينتظر شكراً أو يُدوّن فضلاً.
اذكره كما كان: صديقاً يطيل عمر اللحظة، ورفيقاً يحفظ سرّ الطريق، ورجلاً لا يشبه إلا نفسه… ولا يشبهه أحد.
الدعاء والوداع الأخير
اللهم اكتب له سكينةً في قبره… كما كان يكتب هو السكينة في قلوب الآخرين. واجعل له بين رحمتك ومغفرتك مقاماً يليق بوداعه، وبحسن سيرته، وبطيب قلبه الذي نعرفه.
اللهم إن كان في الغربة جسده، فاجعل في رحمتك روحه، وفي جنتك مثواه، وفي الكوثر لقياه.
سلامٌ على ياسر… يوم جاء إلى الدنيا بوجهٍ جميل، ويوم عاش فيها بقلبٍ جميل، ويوم رحل عنها تاركاً فينا شيئاً منه لا يرحل
أنا الذي تركتَ في قلبه باباً مفتوحاً لا يُغلق…
رفيقك إلى آخر الدرب أبو عكرمة

Leave a Reply